تشهد مدينة الرقة منذ أيام توترًا متصاعدًا إثر تقارير عن اعتقالات واسعة استهدفت عشرات الشبان، في ظل اتهامات وُجّهت لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) باستخدام هذه الإجراءات كوسيلة لفرض التجنيد الإجباري. وبينما تؤكد روايات محلية وقوع عمليات اعتقال شملت المئات، نفت "قسد" هذه الاتهامات واعتبرتها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة".
روايات محلية عن حملة اعتقالات
ناشطون محليون تحدثوا عن أن أكثر من 500 شخص جرى توقيفهم في أحياء عدة من مدينة الرقة خلال الأيام الماضية، مشيرين إلى أن الإفراج شمل فقط من يحملون وثائق رسمية تؤكد تأجيل الخدمة العسكرية. وبحسب هؤلاء، فإن الاعتقالات جرت بشكل مفاجئ، ما أثار مخاوف من أن الهدف هو إرسال الشبان إلى جبهات تشهد توترات عسكرية في ريف حلب الشرقي.
نفي رسمي من "قسد"
في المقابل، أصدرت "قسد" بيانًا نفت فيه بشكل قاطع الاتهامات الموجهة إليها بخصوص التجنيد الإجباري في الرقة، ووصفت ما تداوله الناشطون بأنه "باطل تمامًا". وأكدت أن ما حدث كان "إجراءً أمنيًا روتينيًا للتحقق من الهويات الشخصية وضمان سلامة الوثائق"، مضيفة أن هذه الخطوة جاءت "لحماية استقرار المنطقة ومنع أي خروقات أمنية".
خلفية قانون "واجب الدفاع الذاتي"
القضية أعادت إلى الواجهة ملف "واجب الدفاع الذاتي"، وهو القانون الذي فرضته "الإدارة الذاتية" في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، ويلزم الشبان والإناث في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا بالالتحاق في صفوف قواتها العسكرية والأمنية لفترات محددة.
ويشبه هذا القانون الخدمة الإلزامية المعمول بها في قوات النظام السوري، غير أنه يُطبق بصيغة مختلفة، حيث حددت "الإدارة الذاتية" الفئات العمرية المطلوبة. ففي تعميم صدر في حزيران/يونيو 2024، أوضحت أن المواليد بين عام 1998 وحتى 30 حزيران 2006 مشمولون بالخدمة، وأن على من بلغوا 18 عامًا مراجعة مراكز "واجب الدفاع الذاتي" لاستصدار دفتر خدمة.
حملات متكررة ومخاوف اجتماعية
منذ ذلك التعميم، تشن الأجهزة التابعة لـ"قسد" بين الحين والآخر حملات ميدانية تستهدف الشبان في مناطق مختلفة، خصوصًا في الحسكة والقامشلي وعامودا، حيث تنتشر حواجز ودوريات "الشرطة العسكرية" للتدقيق في الهويات. وغالبًا ما تثير هذه الحملات موجة استياء في الشارع، إذ يتهم سكان محليون "قسد" بملاحقة الشبان وحتى القاصرين، من أجل زجهم في صفوفها.
وبحسب شهادات متداولة، يخضع المجندون الجدد لفترة تدريب تصل إلى عام كامل، تتضمن تدريبات عسكرية ومحاضرات فكرية مرتبطة بأيديولوجيا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، قبل أن يتم توزيعهم على الجبهات العسكرية.
توازن بين الأمن والتجنيد
بين الرواية الرسمية لـ"قسد" التي تضع إجراءاتها في إطار "الحفاظ على الأمن"، والرواية المحلية التي تتحدث عن "تجنيد إجباري مقنع"، تبقى حقيقة ما جرى في الرقة محل جدل واسع. ويرى مراقبون أن "قسد" تحاول الموازنة بين حاجتها لتأمين كوادر عسكرية جديدة، وبين الانتقادات الداخلية والخارجية التي تلاحقها حول سياساتها في مجال التجنيد.
انعكاسات محتملة
ملف التجنيد الإجباري شمال شرقي سوريا يطرح تساؤلات أوسع حول مستقبل العلاقة بين "قسد" والمجتمعات المحلية. ففي حين ترى الإدارة الذاتية أن "واجب الدفاع الذاتي" ضرورة لحماية مناطقها من التهديدات، يصفه كثيرون بأنه عامل توتر يهدد الاستقرار الاجتماعي ويزيد من حالات النزوح.
ومع استمرار هذه الحملات، يبقى مصير الشباب في مناطق سيطرة "قسد" مرتبطًا بتوازن معقد بين الأمن والدفاع من جهة، والرفض الشعبي لسياسة التجنيد الإجباري من جهة أخرى.