يجد لبنان نفسه في لحظة دقيقة تتقاطع فيها التطورات الإقليمية مع الضغوط الداخلية. ففي الوقت الذي يترقب فيه الموقف النهائي لحركة «حماس» من الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في غزة، تتجه الأنظار في الداخل اللبناني إلى التقرير الأول الذي أعدته قيادة الجيش حول المرحلة الأولى من خطة حصرية السلاح بيد الدولة. هذا التوازي بين غزة وجنوب لبنان يثير تساؤلات جدية حول مدى استعداد «حزب الله» للتجاوب مع متطلبات المرحلة، وحول انعكاسات أي اتفاق أو رفض في غزة على معادلة السلاح في الداخل اللبناني.
التقرير الذي سيُعرض على مجلس الوزراء الاثنين المقبل برئاسة الرئيس جوزيف عون، يرصد مسار الأشهر الثلاثة الأولى من خطة الجيش لحصر السلاح، ومدى تجاوب «حزب الله» مع إجراءات انتشار الوحدات العسكرية جنوب الليطاني بمؤازرة قوات «اليونيفيل». وتشير مصادر أمنية إلى أن اللقاء الأخير بين قائد الجيش العماد رودولف هيكل ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حمل أجواء إيجابية نسبياً، خصوصاً مع تجاوب الحزب في إخلاء بعض المواقع شمال الليطاني، والتقيد بتهدئة ميدانية.
لكن في المقابل، لا تزال تصريحات قادة الحزب تؤكد تمسكهم بالسلاح باعتباره "عنصر قوة"، وهو ما يتناقض مع جوهر الخطة العسكرية الهادفة إلى تعزيز سيادة الدولة. وتزداد الصورة تعقيداً مع دخول إيران على خط الملف، عبر تصريحات علي لاريجاني التي رأت فيها مصادر لبنانية محاولة لإبقاء الورقة اللبنانية بيد طهران كورقة تفاوضية في مواجهة واشنطن وأوروبا.
وفي الداخل، يظهر الحزب في وضع حرج. فهو من جهة يلتزم بوقف إطلاق النار ويمتنع عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، ما يعني عملياً أنه وضع سلاحه على طاولة التفاوض. ومن جهة أخرى، يجد نفسه تحت ضغط داخلي وخارجي متزايد، خاصة بعد أن بات رهانه على حلفائه أضعف من أي وقت مضى، باستثناء دعم رئيس البرلمان نبيه بري الذي يسعى إلى استيعابه سياسياً.
التقديرات الأمنية والسياسية في بيروت تشير إلى أن قبول «حماس» بخطة ترمب أو رفضها سيترك أثرًا مباشرًا على لبنان. ففي حال القبول، سيكون الحزب أمام استحقاق كبير: هل يقبل بتموضع جديد تحت مظلة الدولة استناداً إلى القرار 1701 وضمانات دولية، أم يواصل مكابرته في ظل ميزان قوى ميداني لم يعد لصالحه كما في السابق؟ أما في حال الرفض، فإن إسرائيل قد تجد مبرراً لتوسيع حربها جنوباً، بما يضع الحزب في مواجهة ضغوط عسكرية مضاعفة.
يقف «حزب الله» أمام مفترق طرق تاريخي. فالالتزام بخطة حصرية السلاح قد يمنحه غطاءً داخلياً وعربياً ودولياً، بينما التمسك بخيار السلاح خارج الدولة يعرضه لعزلة متزايدة، وربما لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل. وفي ظل تراجع معادلة الردع التقليدية، تبدو خيارات الحزب أكثر ضيقاً من أي وقت مضى، ما يفتح الباب على مرحلة جديدة قد تفضي إلى إعادة رسم دور الحزب في الداخل اللبناني ومعادلة القوة في المنطقة.
قرار مجلس الأمن 1701 الذي صدر بعد حرب 2006 نص على وقف الأعمال العدائية وانسحاب القوات الإسرائيلية خلف الخط الأزرق، مقابل تعزيز دور الجيش اللبناني في الجنوب بمواكبة «اليونيفيل». إلا أن السلاح بقي بيد «حزب الله»، ما أبقى الوضع عرضة للاشتباكات والخروقات. ومع المتغيرات الإقليمية والحرب على غزة، تعود مسألة السلاح إلى الواجهة، مدفوعة برغبة دولية وإقليمية في ضبط الساحة اللبنانية ومنعها من أن تتحول إلى جبهة بديلة في حال تعثر مسار التهدئة مع حماس.