واشنطن في مأزق.. إسرائيل تقوّض النظام الإقليمي وتعيد تشكيل خريطة التحالفات بالشرق الأوسط

2025.10.02 - 05:00
Facebook Share
طباعة

تتصاعد التقديرات الإستراتيجية التي ترى أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة والتمدد العسكري نحو دول عربية أخرى أحدثا زلزالاً جيوسياسياً قلب موازين المنطقة. لم تعد إسرائيل، كما أرادتها واشنطن، جزءاً من منظومة أمنية إقليمية، بل باتت مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار، مما يضع الولايات المتحدة أمام أزمة خيارات تهدد نفوذها التاريخي في الشرق الأوسط.

إسرائيل من "شريك ضد إيران" إلى "عدو إقليمي"

تركيا: بعد سنوات من الانفتاح الحذر على إسرائيل، عادت أنقرة لتصعيد موقفها، فتعليق التجارة وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية يعكسان تحولاً استراتيجياً، إذ ترى تركيا أن تل أبيب تقوض استقرار سوريا وتشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

مصر: الشريك الأقدم في اتفاقية السلام، صعّدت لهجتها ضد إسرائيل إلى حد وصفها بـ"العدو"، وهو تحول غير مسبوق منذ كامب ديفيد. بالتوازي، تعزز القاهرة تعاونها مع أنقرة، في إشارة إلى إعادة تموضع إقليمي جديد.

الخليج: الرياض ابتعدت أكثر عن مسار التطبيع، والإمارات تواجه انتقادات حادة لاستمرار علاقاتها مع إسرائيل رغم حرب غزة، بينما تواصل قطر والكويت وعُمان سياسة الحذر والابتعاد عن أي شراكة علنية مع تل أبيب.

التطبيع "عبء سام" على الحكومات العربية

استطلاعات الرأي تكشف أن التطبيع مع إسرائيل فقد شرعيته الشعبية. في المغرب انخفضت نسبة التأييد للعلاقات من 31% (2022) إلى 13% فقط بعد اندلاع حرب غزة.

في مصر، التراجع كان سياسياً ودبلوماسياً معاً، مع تقليص التعاون الأمني والسياسي إلى حدوده الدنيا.

اتفاقيات أبراهام، التي سوّقت لها واشنطن باعتبارها جسراً لدمج إسرائيل، باتت اليوم عنواناً للفشل والتراجع.

عسكرة إقليمية وتعدد الشركاء

وفق تحليل دالاي وفاكيل، تتجه المنطقة إلى مرحلة عسكرة مكثفة:

دول الخليج وتركيا تسعى لتقوية صناعاتها الدفاعية محلياً.

تعاون عسكري متنامٍ مع قوى بديلة مثل الصين وكوريا الجنوبية وباكستان وأوروبا.

تراجع الاعتماد على السلاح الأميركي يضعف أحد أعمدة النفوذ الإستراتيجي لواشنطن في المنطقة.

واشنطن في اختبار النفوذ والمصداقية

استمرار الانحياز الأميركي لإسرائيل يقوّض مكانة واشنطن الإقليمية.

تجاهل مركزية القضية الفلسطينية يُفقد الولايات المتحدة قدرتها على لعب دور الوسيط المقبول.

مشاريع كبرى مثل الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي أصبحت في مهب الريح، مع تصاعد النفور من الشراكة مع إسرائيل.

سيناريوهات المرحلة المقبلة

1. الاستمرار في الانحياز لإسرائيل: ما يعني تسريع فقدان واشنطن لنفوذها، وتحول إسرائيل إلى عبء على حلفائها الإقليميين.

2. إعادة التموضع الأميركي: من خلال تبني خفض التصعيد، إطلاق مشاريع اقتصادية جامعة، والاعتراف بضرورة حل عادل للقضية الفلسطينية.

3. ترك الساحة لقوى أخرى: الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي مرشحون لملء الفراغ، مع تغير موازين التحالفات في المنطقة.

يبدو أن مرحلة ما بعد غزة ترسم شرق أوسط جديداً لا يشبه خرائط ما بعد 2011 أو حتى ما بعد "اتفاقيات أبراهام". التحولات الجارية تشير إلى نهاية مرحلة "إسرائيل كشريك أمني" وبداية مرحلة "إسرائيل كتهديد إقليمي"، وهو ما يفرض على واشنطن إعادة صياغة سياساتها وإلا وجدت نفسها على هامش النظام الإقليمي المقبل.

فالقضية الفلسطينية، التي حاولت واشنطن وحلفاؤها تهميشها، عادت لتكون البوصلة المركزية التي تحدد علاقات الدول ومواقف الشعوب، وهو ما يجعل تجاهلها خطأً إستراتيجياً قد يكلف الولايات المتحدة مكانتها التاريخية في المنطقة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7