أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) قطع علاقاته مع رابطة مكافحة التشهير (ADL)، المنظمة اليهودية البارزة التي تُعنى برصد مظاهر معاداة السامية والكراهية في الولايات المتحدة، في خطوة فاجأت العديد من المتابعين للشأن الأمني والسياسي الأمريكي. ويأتي هذا القرار في خضم جدل واسع أثاره إدراج المنظمة، التي تأسست في العام 1913، لمنظمة "Turning Point USA" ضمن قائمة ما تصفه بـ "التطرف والكراهية"، بعد اغتيال مؤسس الأخيرة، الناشط السياسي تشارلي كيرك.
أوضح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن المكتب قرر "عدم التعاون مع واجهات سياسية تتنكر في هيئة رقابة"، في إشارة مباشرة إلى الرابطة. وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الانتقادات التي وجهها نشطاء وقادة يمينيون للرابطة، ومن بينهم الملياردير إيلون ماسك، على خلفية إدراج منظمة كيرك في المسرد الخاص بـ ADL على موقعها الإلكتروني، والذي صنّفها على أنها ذات تاريخ من "التصريحات المتعصبة".
وكانت رابطة مكافحة التشهير قد أزالت المسرد بأكمله عقب هذه الانتقادات، وسط اتهامات بأنها تسيء استخدام سلطتها في وصف الجهات السياسية بأنها "متطرفة"، وهو ما رفضته منظمة كيرك بشدة، مؤكدة أن تصرفات ADL تشكل تحيزًا سياسيًا واضحًا.
عن تشارلي كيرك ومنظمة "Turning Point USA"
تشارلي كيرك، الذي اغتيل مؤخرًا، كان شخصية مثيرة للجدل في الساحة السياسية الأمريكية، ومعروفًا بخطاب يميني متشدد. اتهمه النقاد بالعنصرية ومعاداة المهاجرين والكراهية تجاه النساء، واستندوا في اتهاماتهم إلى تصريحاته العلنية حول الأقليات الأمريكية مثل السود والمسلمين.
ومع وفاة كيرك، شهدت الولايات المتحدة موجة من ردود الفعل الغاضبة من التيار اليميني ضد من انتقدوه أو ناقشوا خطاباته، ما أثار توترات جديدة حول حرية التعبير وحدودها في الولايات المتحدة.
رابطة مكافحة التشهير مشهود لها دوليًا بجهودها في رصد معاداة السامية والكراهية، لكنها تواجه انتقادات مستمرة بسبب ما يعتبره البعض مساواتها بين النقد المشروع للسياسات الإسرائيلية وبين معاداة السامية. ويشير موقعها الرسمي إلى أن "بعض أشكال الخطاب والأنشطة المناهضة لإسرائيل تعمل على نزع الشرعية عن إسرائيل ووجودها، وتكون معادية للسامية عندما تهاجم الصهيونية أو تنفيها"، لكنه يؤكد أن هذا الربط غالبًا ما يُساء فهمه.
ويبدو أن هذا الجدل يتزايد في ضوء التوترات الأخيرة حول الهجوم الإسرائيلي على غزة واحتلال الأراضي الفلسطينية، حيث يجد العديد من المراقبين أن رابطة مكافحة التشهير تقع أحيانًا في مأزق بين رصد الخطاب المعادي للسامية وبين ما يُعتبر نقدًا مشروعًا للسياسات الإسرائيلية.
قطع FBI علاقاته مع ADL يشكل مؤشرًا على توتر العلاقة بين المؤسسات الأمنية الأمريكية والمنظمات المدنية، خصوصًا تلك التي تمارس الرقابة على الخطاب السياسي. ويعكس القرار أيضًا الضغط السياسي المتزايد من التيار اليميني على الهيئات التقليدية لمكافحة الكراهية والتطرف، ما قد يؤدي إلى إعادة تقييم دور هذه المنظمات في السياسة الأمريكية، خصوصًا في ما يتعلق بتصنيف التطرف والكراهية.
كما أن القرار يشير إلى صعوبة موازنة حرية التعبير مع مكافحة خطاب الكراهية، في وقت تتزايد فيه الانقسامات السياسية حول كيفية التعامل مع التيارات اليمينية المتشددة، سواء على مستوى السياسات الداخلية أو على صعيد العلاقات مع المنظمات المدنية التي تراقب الخطاب العام.
يعتبر قرار FBI قطع التعاون مع ADL خطوة غير مسبوقة، تؤكد تعقيدات المشهد السياسي الأمريكي الحديث، حيث تتقاطع قضايا الحرية، التطرف، معاداة السامية، والنقد السياسي للسياسات الإسرائيلية في بوتقة واحدة. ويطرح هذا التطور أسئلة كبيرة حول مستقبل التعاون بين المؤسسات الأمنية الأمريكية والمنظمات المدنية، ومدى تأثير الضغوط السياسية على قرارات هذه المؤسسات في المستقبل القريب.