اتجه قطاع واسع من الشباب السوري إلى العمل الحر أو ما يعرف بـ"اقتصاد التعهيد"، بعدما فقدت الوظائف الحكومية جاذبيتها نتيجة الرواتب الهزيلة مقارنة بتكاليف المعيشة المرتفعة. هذا التوجه فتح الباب أمام السوريين لاختيار فرص عمل تمنحهم دخلا أفضل ومرونة زمنية أكبر.
منصات رقمية وفرص متنوعة:
برزت منصات العمل الحر المحلية مثل "سيريان لانسر"، إلى جانب منصات عربية وعالمية مثل "خمسات"، "مستقل"، "أب وورك" و"فيفر"، كنافذة للشباب نحو أعمال تشمل البرمجة، التصميم، صناعة المحتوى، التسويق الرقمي، الترجمة والتدريس عبر الإنترنت. كما ظهرت مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تربط بين الباحثين عن فرص عمل وأصحاب المشاريع.
إقبال شبابي متزايد:
يرى مراقبون أن العمل عن بُعد أصبح الخيار المفضل لجيل الشباب، إذ يوفر دخلا أفضل ومساحة للإبداع، ويختصر تكاليف المواصلات والالتزام بالدوام الرسمي، بالنسبة للمهندسين والمبرمجين، يعد هذا المسار وسيلة لبناء خبرة عملية غنية تعزز فرص الهجرة أو الحصول على عقود دولية.
انعكاسات البطالة وإعادة الهيكلة:
ساهمت سياسات إعادة هيكلة الوظائف العامة وفصل الآلاف من الموظفين في دفع المزيد من الشباب نحو التعهيد. ووفق تقديرات رسمية وأممية، تجاوزت نسبة البطالة 60% في البلاد، فيما نصف موظفي بعض الوزارات غادروا القطاع العام بعد 2011، ما زاد من الحاجة إلى بدائل دخل جديدة.
معوقات رئيسية:
رغم الفرص، يواجه المستقلون عقبات معقدة، أبرزها ضعف البنية التحتية نتيجة الحرب، من كهرباء وإنترنت واتصالات، إضافة إلى العقوبات التي تعيق المدفوعات الإلكترونية العالمية مثل بطاقات الائتمان و"باي بال"، كما تعاني البلاد من غياب إطار قانوني يحمي الملكية الفكرية وحقوق المستقلين، ما يحد من الثقة الاستثمارية.
حلول مبتكرة:
لتجاوز هذه العقبات، اعتمد العديد من العاملين على الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء، وعلى باقات الإنترنت مسبقة الدفع لتفادي بطء الشبكات.
أما المدفوعات المالية، فتتم عبر حسابات خارجية للأقارب أو الوسطاء، ثم تُحوّل داخليًا بطرق غير رسمية، بانتظار رفع القيود المصرفية الدولية.
مستقبل التعهيد في سوريا:
لا يوجد حتى الآن قطاع تعهيد معترف به رسميًا أو إحصائيات دقيقة لعدد العاملين فيه، لكن التوجه المتنامي نحوه يعكس حاجة ملحة لدى الشباب إلى مسارات بديلة عن الوظائف التقليدية ومع تحسن بيئة الاتصالات وإمكانية رفع العقوبات المالية، يُرجح أن يشهد العمل عن بُعد في سوريا طفرة جديدة، تجعله ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني.