إلى أي مدى ستنجح الانتخابات في إعادة السلطة للشعب السوري؟

2025.09.30 - 03:49
Facebook Share
طباعة

يشهد السوريون مرحلة سياسية مفصلية تتمثل في أول انتخابات لمجلس الشعب منذ عقود، حيث تتجه الأنظار إلى هذه التجربة بوصفها خطوة تاريخية لإعادة بناء السلطة التشريعية ومنح الشعب دورا مباشرا في صياغة مستقبله السياسي والتشريعي. وتأتي العملية الانتخابية ضمن مسار انتقالي يهدف إلى تأسيس دستور دائم ومؤسسات قادرة على قيادة البلاد نحو الاستقرار والديمقراطية.

بنية العملية الانتخابية:

جرى تصميم النظام الانتخابي بشكل غير مباشر عبر لجان فرعية وهيئات ناخبة، بحيث يشكّل أصحاب الكفاءات المتنوعة نسبة 70% من هذه الهيئات، مقابل 30% من الوجهاء والأعيان الذين يمثلون شرائح اجتماعية واسعة. وتُعنى هذه اللجان بتحديد المرشحين، ثم فتح المجال أمام عملية اقتراع حر وسري داخل الدوائر الانتخابية.
ويتكون المجلس الجديد من 210 أعضاء، يتم اختيار ثلثيهم عبر هذه الهيئات، بينما يُعيّن الرئيس الثلث المتبقي وفق ما ينص عليه الإعلان الدستوري المؤقت. وقد حُددت فترة ولاية المجلس بـ30 شهرا قابلة للتجديد، باعتباره خطوة ضمن المرحلة الانتقالية.

أهداف المرحلة:

تسعى هذه الانتخابات إلى إطلاق "ثورة تشريعية" من خلال مجلس قادر على تعديل القوانين الموروثة من النظام السابق، وسن تشريعات جديدة أكثر عدالة وملاءمة لواقع السوريين. ويُعوّل على المجلس أن يكون تجسيدا لإرادة الشعب، مع صلاحيات واسعة تشمل اقتراح القوانين وإقرارها، والمصادقة على الموازنة العامة والمعاهدات الدولية، إضافة إلى تشكيل لجنة لإعداد دستور دائم يُعرض لاحقا على استفتاء شعبي.
الغاية الأساسية هي تكريس سلطة تشريعية مستقلة ومتوازنة مع السلطتين التنفيذية والقضائية، بما يعيد الاعتبار لفصل السلطات.

التحديات القائمة:

رغم الطابع التاريخي لهذه الانتخابات، تواجه العملية عدة عقبات، أبرزها الوضع الأمني غير المستقر في بعض المناطق، ووجود ملايين اللاجئين والنازحين الذين يصعب إشراكهم بشكل مباشر. كما تعيق مشاكل السجل المدني والوثائق الرسمية استكمال قاعدة بيانات شاملة للناخبين.
وقد تقرر إرجاء التصويت في بعض المحافظات الخارجة عن سيطرة الدولة لحين تهيئة الظروف المناسبة، في خطوة تهدف إلى ضمان مشاركة واسعة حين تتوفر الإمكانات اللوجستية والأمنية.

الرقابة والشفافية:

تحرص السلطات على إضفاء طابع شفاف عبر إشراك منظمات محلية ودولية لمراقبة الانتخابات، وإتاحة التغطية الإعلامية والدبلوماسية المباشرة كما تلعب نقابة المحامين دورا رقابيا في متابعة العملية الانتخابية وضمان نزاهتها، ما يعزز ثقة المجتمع المحلي والدولي في نتائجها.
وتأتي هذه الخطوة استجابة للمطالب الشعبية التي طالبت بمؤسسات منتخبة تعبّر عن مختلف المكونات وتضمن عدالة التمثيل.

أبعاد سياسية:

تتجاوز هذه الانتخابات بعدها التشريعي لتشكل اختبارا سياسيا لمستقبل سوريا. فهي مؤشر على مدى قدرة النظام الجديد على تحقيق التوازن بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية، وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية. كما تحمل رسالة إلى المجتمع الدولي بأن العملية الانتقالية في سوريا تسير بخطى مؤسسية، وأن البرلمان المقبل سيكون مرجعية مستقلة لا تخضع لإملاءات خارجية أو وصاية سياسية.


تُعد انتخابات مجلس الشعب السوري 2025 حدثا استثنائيا يضع البلاد أمام منعطف تاريخي. فإما أن ينجح المجلس الجديد في قيادة مرحلة انتقالية حقيقية تعيد صياغة القوانين والدستور، وإما أن تتحول العملية إلى اختبار صعب يعكس حجم التحديات الماثلة أمام السوريين. وفي كلتا الحالتين، يبقى المجلس المقبل حجر الأساس لإعادة بناء الشرعية التشريعية وترسيخ إرادة الشعب كمرجعية عليا لمستقبل البلاد. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10