الأطفال والشاشات: توازن بين الفائدة والضرر

2025.09.28 - 12:15
Facebook Share
طباعة

 لم يعد الهاتف المحمول مجرد وسيلة للاتصال، بل أصبح جزءًا أساسيًا من حياة الأطفال، الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات للعب أو التواصل مع الآخرين. هذه الظاهرة أثارت تساؤلات حول تأثير الهاتف على نمو الطفل النفسي والاجتماعي، وطبيعة العلاقة بين الطفل وأهله في ظل الضغوط المجتمعية.

عندما يرى الطفل أن أقرانه يمتلكون هواتف ذكية وأجهزة لوحية، بينما هو لا يملك، قد يشعر بالنقص أو العزلة، ما يدفعه للضغط على والديه للحصول على الجهاز. وفي حال عدم معرفة الأهل كيفية التعامل مع هذا الموقف، قد يتطور شعور الطفل بالدونية أو بعدم المساواة مع أقرانه. لذلك، من المهم أن يوضح الأهل للطفل أن لكل مرحلة عمرية احتياجاتها، وأن الهاتف قد يكون أداة نافعة لكنه ليس ضرورة مطلقة، خاصة إذا استُخدم في وقت مبكر. وضع الحدود التربوية منذ الصغر يساعد الطفل على التمييز بين ما هو أساسي وما هو كمالي، ويعلمه الصبر وتحمل الحرمان أحيانًا.

الخطر الأكبر يكمن في تلبية جميع رغبات الطفل بلا نقاش، إذ قد تنشأ شخصية اتكالية أو استهلاكية، تجعل الطفل يعتقد أن العالم يجب أن يلبي كل مطالبه دائمًا. هذا النمط من التربية قد يؤدي إلى صعوبة تقبل الطفل للحرمان، وضعف قدرته على التحمل، وقد ينشأ عنه اعتماد مفرط على التكنولوجيا كوسيلة أساسية للمتعة.

من الناحية الصحية، تشير الدراسات إلى أن التعرض المكثف للشاشات قبل سن الثالثة قد يؤثر على نمو الدماغ وحالته النفسية. الاستخدام المفرط يمكن أن يجعل الطفل أكثر عرضة للغضب والعناد وضعف التركيز، وقد يطور حالة من الاعتماد النفسي على الأجهزة الرقمية نتيجة إفراز الدماغ المستمر لهرمون الدوبامين المرتبط بالمتعة.

ولتقليل هذه المخاطر، يُنصح بتحديد أوقات استخدام آمنة للشاشات، وتجنبها في النصف ساعة الأولى من اليوم والنصف ساعة الأخيرة قبل النوم. كما يمكن استبدال الهاتف بأنشطة نوعية يشارك فيها الأهل الأطفال، مثل الألعاب التعليمية أو التفاعلية، التي تحفز الحواس وتمنح الطفل المتعة والراحة بعيدًا عن الشاشة.

الضغوط الاقتصادية تشكل جانبًا آخر من المعادلة، حيث يفرض شراء جهاز جديد أعباء مالية إضافية على الأسرة. ومعظم الأهل يشعرون بالضغط الاجتماعي إذا لم يتمكنوا من تلبية رغبات أطفالهم، لكن هذا الموقف يمثل فرصة لتعليم الأطفال معنى القناعة وإدارة الرغبات، وفهم أن الظروف المادية لا تسمح دائمًا بالحصول على كل ما نريد.

التجارب العامة للأهالي تشير إلى أن السماح للأطفال باستخدام الأجهزة ضمن مواعيد محددة، مع مراقبة المحتوى وتشجيع الأنشطة التعليمية، يقلل من الأثر السلبي للشاشات. كما يبرز دور القدوة، فالطفل لن يلتزم بالحدود المفروضة على الشاشة إذا رأى والديه غارقين في هواتفهم طوال الوقت. الالتزام بالوقت النوعي مع الطفل، وتقديم نموذج سلوكي متوازن، يعد أهم خطوة لتقليل الإدمان الرقمي.

في النهاية، الهاتف ليس عدوًا ولا صديقًا دائمًا، بل أداة يمكن أن تكون نافعة أو ضارة حسب طريقة استخدامها. يعيش الأطفال اليوم في عالم رقمي لا يمكن فصله عن حياتهم، لكن مسؤولية الأهل هي توجيه استخدام الهاتف ووضع حدود واضحة، مع الحرص على قضاء وقت نوعي معهم. التربية السليمة تقوم على الحب والحزم معًا، وتعليم الطفل القيم والمهارات الأساسية، بحيث يُبنى مستقبله على أسس متينة بعيدًا عن الإغراء الرقمي.

الهاتف قد يرافق الطفل يوميًا، لكن ما يترك أثرًا طويل الأمد هو القيم والعادات والمهارات التي يكتسبها من والديه منذ الصغر، وهي التي تحدد قدرته على التعامل مع التكنولوجيا بوعي ومسؤولية حين يكبر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9