أحالت اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل 563 متهمًا إلى القضاء، بينهم 298 متهمًا بالاعتداء على المدنيين و265 متهمًا بالاعتداء على عناصر الأمن العام، وفق ما كشفه المتحدث الرسمي للجنة، ياسر الفرحان.
وأوضح الفرحان أن عدم الكشف عن هويات جميع المتهمين جاء لحماية حقوقهم ومنع تهربهم من العدالة، وتجنب وقوع أعمال انتقامية قد تتطور إلى فتنة أهلية في مناطق جغرافية متداخلة. وأكد أن اللجنة سلمت لوائح بأسماء المتهمين وخلفياتهم وكافة المعلومات ذات الصلة إلى السلطات القضائية، مع الالتزام بمبدأ عدم الإضرار.
وأشار الفرحان إلى أن النائب العام والدوائر القضائية بوزارة العدل تواصل فحص الملفات المحالة ومباشرة إجراءات التوقيف والتحقيق، موضحًا أن اللجنة تعمل ضمن إطار قانوني دقيق يراعي جميع الإجراءات.
وتأتي هذه الإجراءات على خلفية مواجهات اندلعت في مارس الماضي، أسفرت عن مقتل مئات المدنيين وعناصر الأمن السوري في مدن وبلدات محافظتي اللاذقية وطرطوس. وبدأت الأحداث بهجمات نفذها مقاتلون محسوبون على فلول النظام السابق، في حين اعترفت الحكومة بارتكاب عناصر من الجيش انتهاكات، مما دفعها إلى تشكيل لجنة التحقيق الوطنية المستقلة.
وأوضح الفرحان أن الإشاعات حول وجود ماهر الأسد في قاعدة حميميم آنذاك غذّت المخاوف الشعبية من عودة رموز النظام السابق، وهو ما أثار ردود فعل واسعة بين السكان الذين عانوا جرائم ضد الإنسانية في الماضي.
وأصدرت ثلاث من أبرز المنظمات الحقوقية، وهي هيومن رايتس ووتش وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة والأرشيف السوري، تقريرًا مشتركًا حول أحداث الساحل في 23 من أيلول الجاري. ورغم التزام الحكومة السورية الانتقالية بالمحاسبة، أشارت المنظمات إلى أن الشفافية حول دور القيادات العسكرية والمدنية كانت محدودة، وأن الإجراءات ركزت على الأفراد المنفذين دون التطرق إلى المسؤولية المؤسسية أو القيادية.
ورد الفرحان على التقرير مشيرًا إلى أن تحميل القيادات العليا المسؤولية بشكل اعتباطي دون أدلة قانونية لا يستقيم، مؤكدًا أن الوقائع حدثت في ظروف معقدة وخارج السيطرة المباشرة للقيادة، مع تحركات عشوائية من مجموعات مسلحة مختلفة بدوافع متعددة. وأضاف أن تحميل القيادات أو إلصاق الاتهامات بها دون وجود دليل على إصدار أوامر يعد تجاوزًا للحقائق القانونية.
يشير إحالة 563 متهمًا إلى القضاء إلى جديّة الحكومة في معالجة تداعيات أحداث الساحل، لكنها تواجه تحديات عدة:
ضمان المحاسبة الشاملة دون انتقاص الحقوق: حماية هويات المتهمين تهدف لمنع الفوضى والانتقام، لكنها تثير تساؤلات حول مدى الشفافية.
القيادات والمسؤولية المؤسسية: التركيز على الأفراد المنفذين دون مراجعة أوسع للقيادات يثير انتقادات من منظمات حقوقية، وقد يضعف مصداقية الإجراءات أمام المجتمع الدولي.
بيئة اجتماعية معقدة: التداخل الطائفي والجغرافي في الساحل يزيد من صعوبة تحقيق العدالة بسرعة وفعالية.
توازن القانون والحقائق الميدانية: الوقائع التي حدثت في ظروف معقدة ومتعددة الأطراف تتطلب تحقيقًا دقيقًا لضمان عدم تحميل أي طرف مسؤولية لم يصدر عنها فعل مباشر.
في المجمل، تمثل إحالات اللجنة خطوة مهمة نحو استعادة الثقة بالقضاء والعدالة، لكن نجاح هذه العملية يعتمد على توازن التحقيق بين المحاسبة القانونية، حماية الحقوق، وتحقيق الشفافية الكاملة، لضمان منع أي فتنة مستقبلية في الساحل السوري.