أثارت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى نيويورك ولقاءاته مع قادة دوليين، بما في ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، تساؤلات واسعة حول مدى تأثير هذه التحركات على رفع العقوبات المفروضة على سوريا. منذ البداية، ركّز الشرع في خطاباته الرسمية على أن العقوبات تشكل عائقًا أمام إعادة بناء سوريا، داعيًا إلى رفعها بشكل كامل لضمان حرية الشعب السوري وتمكين الاقتصاد الوطني.
العقوبات الأمريكية: سياق تاريخي
تعود العقوبات الأمريكية على سوريا إلى عام 1979، مستهدفة القطاع العسكري والمواد ذات الاستخدام المزدوج، في إطار تصنيف سوريا كـ”دولة راعية للإرهاب”. وتفاقمت القيود عام 2004 ضمن قانون “محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية”، لمعاقبة دمشق على تدخلها في لبنان وتسهيل مرور المقاتلين والأسلحة إلى العراق. بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، فرضت واشنطن سلسلة عقوبات أشد، وصلت ذروتها مع قانون “قيصر” في 2020، الذي شمل قيودًا على قطاع النفط وحظر بيع المعدات اللازمة لاستخراج أو تكرير النفط، إلى جانب تجميد مساعدات إعادة الإعمار وفرض عقوبات مالية على المسؤولين السوريين ومن يتعامل معهم.
هذه العقوبات المتراكمة على مدى أكثر من أربعة عقود جعلت الاقتصاد السوري هشًا، وأصبحت رفعها هدفًا دبلوماسيًا مركزيًا بالنسبة لنظام الشرع، الذي يعتبرها “بوصل السياسة الخارجية الحالية”.
نتائج الزيارة الأمريكية
الزيارة، التي شهدت لقاءات ثنائية مع المسؤولين الأمريكيين وقادة دول آخرين، حققت نجاحًا دبلوماسيًا من حيث إعادة سوريا إلى الحوار الدولي، لكنها لم تسفر عن رفع فوري أو شامل للعقوبات. وأوضح الشرع أن بعض العقوبات خففت بالفعل نتيجة قرارات سابقة للرئيس ترامب، إلا أن الكونغرس الأمريكي يملك السلطة النهائية لإلغائها، وما يزال الطريق أمام رفع العقوبات بالكامل معقدًا ومحدودًا بالإطار القانوني الأمريكي.
من جهة أخرى، أشار مسؤولون أمريكيون خلال اللقاءات إلى أن رفع العقوبات بشكل كامل يتطلب خطوات ملموسة من دمشق، بما في ذلك الشفافية الاقتصادية والالتزام ببعض المعايير الدولية، ما يجعل التحولات التدريجية أكثر احتمالًا من الإلغاء الفوري.
تحليل الخبراء
محللون اقتصاديون ودبلوماسيون يصفون زيارة الشرع بأنها رسالة سياسية مهمة، لكنها لم تكن “عامل تغيير مباشر” للعقوبات. فالزيارة أعادت سوريا إلى دائرة الاهتمام الدولي وفتحت قنوات تواصل، لكن التأثير العملي على العقوبات لا يزال محدودًا، خصوصًا أن الكونجرس الأمريكي يتحكم في القرارات النهائية المتعلقة بالقوانين مثل “قيصر”.
وفق تحليلاتهم، التأثير الأكثر وضوحًا يكمن في إمكانية تهيئة بيئة سياسية وإعلامية دولية أكثر تقبلاً لإزالة العقوبات، ما قد يسمح لبعض الاستثمارات الأجنبية بالعودة إلى السوق السورية، مع التركيز على القطاعات الإنسانية وإعادة الإعمار.
مستقبل العقوبات السورية
يمكن القول إن زيارة الشرع نجحت دبلوماسيًا في كسر العزلة الدولية الجزئية لسوريا، لكنها لم تحقق رفع العقوبات الكامل أو الفوري. المرحلة القادمة تعتمد على القدرة الأمريكية على التوافق الداخلي بين البيت الأبيض والكونجرس، بالإضافة إلى الاستجابة السورية للمعايير الدولية التي قد تسمح بتخفيف القيود المالية والاقتصادية تدريجيًا.