مراحل وإجراءات بناء المؤسسة العسكرية السورية الجديدة

2025.09.27 - 04:12
Facebook Share
طباعة

في أوائل حزيران/يوليو الماضي، شهدت الأكاديمية العسكرية في حلب حفل تخرج دفعة كبيرة بلغت نحو 3 آلاف جندي تابعين للفرقة 76، حضره وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة إلى جانب قيادات ومسؤولين محليين وعسكريين. جاءت هذه الفعالية كأحد مظاهر تحرّك وزارة الدفاع نحو إتمام هيكلة المؤسسة العسكرية في سوريا الجديدة، بالتوازي مع نشاط مكثف شمل تفعيل الأكاديميات الحربية والبحرية والجوية وتنشيط الأكاديمية العسكرية العليا وإعادة تنظيم دائرة التوجيه المعنوي.


خلال الأشهر الماضية عملت الوزارة وفق خطة متعددة المحاور: تدريبات ومناهج تعليمية وإعادة تأهيل مرافق وترميم مبانٍ، مع تشكيل لجان وجيوب تنفيذية لتجسيد هيكلية متكاملة للمؤسسة العسكرية. وتعكس المصادر العسكرية العاملة داخل الوزارة أو ضمن الفرق العسكرية التابعة للجيش هذه الجهود كمرحلة انتقالية نحو تنظيم مؤسسي أكثر انتظامًا وانضباطًا.


اندماج الفصائل: النواة الأساسية للقوة العسكرية
تُعد الفصائل المسلحة التي شاركت في ائتلاف «ردع العدوان» عقب الضربة في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي جزءًا أساسيًا من نواة المؤسسة العسكرية الجديدة. وعلى الرغم من الصعوبات المتعددة في مسار الدمج، نجحت وزارة الدفاع في إدماج عدد كبير من هذه الكوادر تحت مظلتها مع الإبقاء على معظم قياداتها، بعد تشجيع الفصائل على تسليم الأصول العسكرية (أسلحة، ذخائر، آليات) لتوضع تحت حصر الدولة.

شكّل ملف حصر الأصول العسكرية عائقًا كبيرًا أمام عملية الدمج، إذ رفضت بعض الفصائل تسليم مخزونها بالكامل، ما دفع الوزارة إلى تشكيل لجان جرد وإصدار تعميم يقضي بمنع بيع أو نقل أي أصول عسكرية وتحذير المخالفين من الملاحقة والمحاسبة.


تنظيم الفرق ومواقع التجمع
ركزت الوزارة في المرحلة الأولى على تشكيل فرق عسكرية فاعلة حول دمشق وريفيها. أُطلق اسم ثلاث فرق رئيسية هي: الفرقة 44، الفرقة 70 (بقيادة أبو حسين الأردني)، والفرقة 90 التي تعتبر بديلة عن الحرس الجمهوري السابق ويترأسها مختار التركي، وتضم ألوية وفصائل كبيرة من بينها وحدات انتقلت من داريا.

كشفت مصادر عسكرية عن تأسيس فرقتين إضافيتين بريف دمشق وتجهيز عناصرهما بأسلحة نوعية مستوردة، لتبلغ بذلك مجموع الفرق في العاصمة وريفها خمس فرق، في سياق جهود تأمين العاصمة خصوصًا بعد استهداف مبنى هيئة الأركان.

إجمالاً، تُشير المعطيات إلى وجود 22 فرقة برية موزعة على المحافظات، إضافة إلى القوى الجوية والبحرية. تحظى محافظتا ريف دمشق وحلب بالحضور الأكبر لهذه الفرق. وتتوزع الفرق البرية على المحافظات كما يلي: حلب (4 فرق منها 60، 76، 80)، إدلب (فرقتان منها 64)، ريف دمشق (3 فرق 44، 70، 90)، درعا (الفرقة 40)، حماة (فرقتان 82، 74)، طرطوس (56)، اللاذقية (50، 84)، حمص (52)، دير الزور (86، 66).


الأهداف العددية والقيود التمويلية
كانت الخطة الأولية تهدف إلى أن يصل تعداد الجيش السوري الجديد إلى نحو 300 ألف مقاتل، لكن تقييدات الموازنة شكلت عقبة رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف. حالياً، يبلغ تقدير أعداد المنتسبين في المؤسسة بين 100 و125 ألف مقاتل وفق مصادر عسكرية.


الكليات الحربية وبرامج القبول
أعلنت وزارة الدفاع عن فتح باب الانتساب إلى الكليات الحربية، مع استقبال مراكز التجنيد طلبات المتقدمين ومراجعة الشهادات وإجراء الفحوصات الطبية والبدنية وفق معايير القبول. وسجلت الكليات العسكرية إقبالًا ملحوظًا من الشباب، خصوصًا في قطاعات القوى الجوية، وسط انطباع بأن المؤسسة العسكرية تسعى لتحسين صورتها بعد مرحلة الفصائلية.

التدريبات انتقلت من الدورات المختصرة والغير منظمة إلى برامج تدريبية طويلة الأمد مستندة إلى مناهج تم إعدادها بتعاون لجنة من إدارة التوجيه المعنوي، كما أعيد تفعيل الأكاديميات والكليات للتأهيل العلمي والعملي للضباط وصف ضباط.


إدارة التوجيه المعنوي ومناهج جديدة
شكّلت إدارة التوجيه المعنوي بعد دمج المكاتب الشرعية التابعة للائتلاف، وكانت محورًا لكتابة مناهج شاملة تربوية وعسكرية وفكرية. جرى توزيع الموجهين على الفرق وتفعيل دورهم في التدريب والمحاضرات، مع تحول واضح في مضامين الدروس من خطاب شرعي سابق إلى محاضرات توجيهية ووطنية وعسكرية.


مدونات السلوك والانضباط
سعت وزارة الدفاع إلى ضبط السلوك العسكري عبر إصدار قرار يمنع استخدام شعارات غير معتمدة على الزي العسكري، وتكليف الوحدات بتبني شعار رسمي موحَّد خلال مهلة محددة. كما أصدرت المدونة العسكرية لقواعد السلوك والانضباط التي تلزم الأفراد بالدفاع عن الوطن، احترام المدنيين وحمايتهم، الالتزام بالأوامر المشروعة، وعدم التعدي على الممتلكات أو ممارسة التمييز، وحظر إفشاء المعلومات أو الإدلاء بتصريحات إعلامية دون تفويض.


الرواتب والإطعام وتحسين شروط الخدمة
لا تزال مسألة الرواتب حساسة؛ إذ يتقاضى الجنود رواتبًا بالدولار تتراوح بين 150 و400 دولار بحسب الرتبة والوضع العائلي، بينما يحصل الضباط الأعلى رتبة على مزايا وخدمات إضافية. أكدت مصادر أن الوزارة نجحت في توحيد آلية صرف الرواتب والحدّ من الفوضى التي سادت في فترة الفصائلية، لكن يبقى تمويل كتلة الرواتب تحديًا مرتبطًا بموازنة خاصة تشارك فيها جهات عدة.

تحسّن ملف الإطعام أيضًا، إذ تبنت الوزارة مطابخ مركزية توزّع وجبات منتظمة ومتنوعة بدلاً من الوجبات المحدودة سابقًا، مع جودة أفضل في المكونات.


وحدات متخصصة وعقبات مستقبلية
أضحى الجيش أكثر انتظامًا بوجود وحدات متخصصة (مضاد دروع، هندسة، إزالة ألغام)، وتعمل الوزارة على رفع مستوى الحرفية لأعضائها. لكن التحديات لا تزال قائمة، من بينها ملف المقاتلين الأجانب، تعنت بعض القادة المدرجين على قوائم عقوبات دولية، وعدم انضمام بعض قوى مثل قسد بجدية إلى المؤسسة.

باحثون يشيرون إلى أن ما حصل هو عثرات لا أخطاء جوهرية، وأن الاختلالات قابلة للتدارك عبر برامج إعداد نفسي وفكري وتأهيل مهني تستهدف إزالة آثار التجنيد الطارئ أو الخبرات السابقة غير الاحترافية.


خلاصة: التحول الذي شهدته المؤسسة العسكرية السورية يقوم على دمج وحدات وجماعات سابقة ضمن هيكل نظامي موحَّد، مع تركيز على التعليم والتدريب، توحيد شعارات الانضباط، وتحسين شروط الخدمة. ومع ذلك تبقى عقبات مالية وسياسية ولوجستية قد تطيل فترة الانتقال إلى جيش كامل المواصفات العددية والقدرات التخصصية المنشودة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 10