لا تزال المفاوضات بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تراوح مكانها، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على توقيع اتفاق 10 آذار، الذي وُصف حينها بالتاريخي. وبينما تعلن "الإدارة الذاتية" جاهزيتها الكاملة للمضي في تنفيذ الاتفاق، تتحدث دمشق عن بطء في التنفيذ وتتهم الطرف الآخر بالتباطؤ.
الإدارة الذاتية: اللجان جاهزة
قال المتحدث باسم وفد "الإدارة الذاتية" للتفاوض مع دمشق، ياسر السليمان، إن جميع الأطراف السورية تواجه ضغوطاً كبيرة للتوصل إلى تفاهمات تنهي الانقسام وتضمن استقرار البلاد. وأكد أن أي حلول مستقبلية يجب أن تحمي حقوق جميع السوريين وتعزز وحدة البلاد من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، مشدداً على عدم وجود أي مجال للمساومة على وحدة الأراضي السورية.
وأوضح السليمان أن اتفاق 10 آذار نص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية، لافتاً إلى أن جميع اللجان التقنية في شمال شرقي سوريا جاهزة لمناقشة الملفات المطروحة، سواء كانت أمنية أو عسكرية أو خدمية أو حتى دستورية. وأضاف: "ما زلنا ننتظر تحديد موعد من قبل الحكومة السورية لعقد الاجتماعات، ونحن متفائلون بأن الحوار إذا بدأ قريباً سيؤدي إلى نتائج ملموسة".
موقف "قسد"
من جانبه، اعتبر مدير المركز الإعلامي في "قسد"، فرهاد شامي، أن الجيش السوري الحالي "غير مهيأ" لدمج قوة عسكرية منظمة كقواته. وقال إن الاتفاقية الموقعة في 10 آذار هدفت أساساً إلى وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية وبناء الثقة بين الطرفين، لكنه يرى أن دمشق تركز بشكل مفرط على الجانب الأمني والعسكري.
وأشار شامي إلى أن "قسد" ليست مجرد فصيل يمكن إدماجه بسهولة، بل هي "تنظيم عسكري واجتماعي وسياسي"، على حد وصفه، لافتاً إلى أن الحكومة السورية تصر على حلها تحت مسمى "الدمج". كما اعتبر أن دمشق "غير مستعدة حتى الآن لاستيعاب طرف منظم يمتلك رصيداً جماهيرياً وسياسياً واسعاً".
رؤية دمشق
في المقابل، قال الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال مشاركته في قمة "كونكورديا" الأخيرة، إن "قسد" هي الطرف الذي يتباطأ في تنفيذ اتفاق 10 آذار. واعتبر أن الدعوات إلى اللامركزية قد تحمل أبعاداً انفصالية تهدد وحدة سوريا ودول الجوار.
وشدد الشرع على أن الحكومة تسعى إلى حلول سلمية تستند إلى الاتفاقية، والتي وصفها بأنها حظيت بمباركة محلية ودولية. وفي لقاءات إعلامية سابقة، أوضح أن دمشق وافقت على دمج "قسد" في الجيش السوري مع مراعاة بعض الخصوصيات للمناطق ذات الغالبية الكردية، لكنه أكد في الوقت نفسه أن وحدة التراب السوري "خط أحمر لا يمكن تجاوزه".
التحديات الميدانية
ورغم الاتفاق، شهدت الفترة الماضية احتكاكات بين الجانبين، كان آخرها اشتباك في ريف حلب الشرقي يوم 24 أيلول، أدى إلى مقتل عنصر من وزارة الدفاع السورية. هذه الحوادث زادت من الشكوك حول فرص نجاح الاتفاقية، وأظهرت حجم التوتر الذي لا يزال يطغى على العلاقة بين الطرفين.
اتفاق 10 آذار.. خطوة مؤجلة؟
وقّع الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي اتفاق 10 آذار الماضي، الذي ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ"قسد" في مؤسسات الدولة السورية. ورُوّج للاتفاق حينها على أنه بداية لمرحلة جديدة من الحوار السوري الداخلي، لكن الواقع يشير إلى أن التنفيذ ما يزال متعثراً.
وبحسب بيانات "الإدارة الذاتية"، فإن اللجان المنبثقة عن الاتفاق، بما فيها المعنية بالملفات الدستورية والإدارية والأمنية، لا تزال على أتم الاستعداد للبدء بعملها فور تلقي إشارة من دمشق. لكن غياب الخطوات العملية جعل الاتفاق عرضة للتأجيل وربما إعادة التفاوض من جديد.
بين التفاؤل والانتظار
يصف مراقبون المشهد الحالي بأنه مزيج من التفاؤل والجمود. فبينما تؤكد "الإدارة الذاتية" و"قسد" على رغبتها في الحوار، ترى دمشق أن التنفيذ يتسم بالبطء. وبين هذا وذاك، يبقى مصير الاتفاقية معلقاً بانتظار قرارات سياسية قد تحدد مستقبل العلاقة بين الطرفين.
المفاوضات بين دمشق و"قسد" تكشف في جوهرها عن التعقيدات الأوسع التي تحيط بالقضية السورية: تعدد القوى الفاعلة، التدخلات الإقليمية والدولية، والانقسام الداخلي. ومع اقتراب نهاية العام، وهو الموعد المحدد مبدئياً لتطبيق بنود الاتفاق، تتجه الأنظار إلى ما إذا كان الطرفان سيتجاوزان العقبات الراهنة ويمضيان نحو خطوات عملية، أم أن اتفاق 10 آذار سينضم إلى قائمة طويلة من الفرص المؤجلة في مسار الأزمة السورية.