بينما تواصل إسرائيل حرب إبادة قطاع غزة، والتي أدت حتى الآن إلى استشهاد نحو 65 ألف فلسطيني، وتشريد مئات آلاف المدنيين، وإصابة الآلاف بمختلف الإصابات، تتكشف خلف الكواليس معركة جديدة، أقل دموية ولكنها أكثر تعقيدًا: من سيحكم غزة بعد توقف الحرب، وكيف ستدار شؤون القطاع؟
تسربت تفاصيل خطة يقودها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وفق ما نقلته مجلة إيكونوميست البريطانية، تنص على إنشاء "السلطة الانتقالية الدولية لغزة" (GITA) كهيئة سياسية وقانونية عليا لمدة خمس سنوات، على أن تدار عبر مجلس من سبعة أعضاء وأمانة تنفيذية صغيرة، وتتكفل الدول الخليجية بتكاليفها.
الخطة، بحسب المصادر، تحظى بدعم شخصيات وازنة، بينها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ناقش الخطة مع بلير ومبعوثين أميركيين وإسرائيليين قبل طرحها على قادة عرب وآسيويين.
لكن الفلسطينيين يخشون أن تتحول "جيتا" إلى نسخة جديدة من الاحتلال الدولي، بالنظر إلى التاريخ الاستعماري البريطاني في فلسطين وسجل بلير في العراق 2003، ما يجعل المقترح محل جدل واسع.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يسعى إلى العودة إلى غزة عبر حكومة تكنوقراط مدعومة عربيًا، لكن أي خطة تُفرض خارج نطاق إرادة الفلسطينيين ستواجه رفضًا شعبيًا واسعًا، وقد تُوصف بأنها "احتلال مقنع".
الموقف الإسرائيلي: السيطرة الكاملة على غزة
في المقابل، تظل حكومة نتنياهو متمسكة بالسيطرة على غزة، مستفيدة من الحرب لفرض وقائع جديدة على الأرض. فقد تحدث وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن "ثروة عقارية" في غزة، بينما يواصل نتنياهو تلقي اتصالات من بلير دون الالتزام بالخطة الدولية.
هآرتس نقلت أن إدارة ترامب تدفع لتعيين بلير على رأس هيئة دولية مؤقتة لإدارة غزة بعد الحرب، ترافقها قوة متعددة الجنسيات لتأمين الحدود ومنع عودة حماس إلى السيطرة، مع غموض حول توقيت وآلية تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، ما قد يتيح لإسرائيل فرض أجندتها الخاصة.
مواقف دولية متباينة
فايننشال تايمز البريطانية تؤكد أن بلير يقود جهودًا للترويج لفكرة وصاية دولية على غزة، وهو ما قوبل برفض بعض العواصم العربية والأوروبية التي ترى في هذه الخطوة تهميشًا للفلسطينيين. بدلاً من ذلك، تدفع هذه الدول نحو إدارة فلسطينية من التكنوقراط تحت إشراف السلطة الفلسطينية، باعتبارها الجهة الشرعية دوليًا.
خطة ترامب تتضمن مزيجًا من العناصر السابقة، منها:
وقف دائم لإطلاق النار.
إطلاق سراح جميع الأسرى لدى حماس.
إعادة انتشار القوات الإسرائيلية ثم انسحابها الكامل.
إدارة انتقالية من لجنة فلسطينية تحت إشراف دولي، مع رفض أي تهجير قسري.
لكن الموقف الإسرائيلي يبقى العقبة الأبرز، إذ يصر نتنياهو على رفض أي دور للسلطة الفلسطينية، متعهداً بتدمير حماس بالكامل، فيما يدفع ترامب بالضغط لإنهاء الحرب والحفاظ على مصالح إسرائيلية، مع ترك هامش للمناورة في الإدارة المستقبلية للقطاع.
غزة تحت النار: أزمة إنسانية متفاقمة
في الوقت ذاته، يتواصل الانهيار الإنساني في غزة: أكثر من 15 ألف شخص يحتاجون لتدخل عاجل وفق منظمة الصحة العالمية، والمستشفيات تعمل تحت ضغط هائل، مع نقص المعدات والأدوية، وعجز الطواقم الطبية عن تلبية الاحتياجات الأساسية، وسط استهداف ممنهج للمنشآت الصحية من قبل الاحتلال.
حماس ترفض دعوة عباس لتسليم السلاح، مؤكدة أن السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال هو برنامج نضالي شامل، فيما يتواصل القصف الإسرائيلي والمدفوعات الأمريكية تحت ضغوط سياسية وعسكرية متشابكة.
الاستنتاج: غزة بين الحرب والوصاية الدولية
في النهاية، تبدو غزة أمام مفترق طرق:
استمرار الحرب سيزيد الكلفة البشرية ويعزز مأزق إسرائيل الدولي.
أي تدخل دولي بقيادة بلير يثير مخاوف الفلسطينيين من احتلال مقنع.
الموقف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو يضغط لاستثمار الحرب في فرض وقائع جديدة.
الضغوط الدولية، خاصة من ترامب والدول الغربية، قد تحدد شكل الإدارة المستقبلية للقطاع، لكن بدون توافق فلسطيني واسع، ستظل أي خطة هشة وغير مستدامة.
غزة ليست مجرد ساحة حرب، بل محور صراع دولي معقد يتقاطع فيه الضغط العسكري، التوازن السياسي الإقليمي، والتحولات الدبلوماسية العالمية، وكل ذلك يصنع لحظة فارقة لما بعد الحرب، تحدد مستقبل الفلسطينيين وكيان الاحتلال على حد سواء.