قراءة إسرائيلية: واشنطن تُعيد إنتاج "شرق أوسط قديم" والسعودية تتحرك لإعادة فلسطين إلى الواجهة

2025.09.26 - 09:01
Facebook Share
طباعة

كشفت صحيفة "معاريف" العبرية عن قراءة عسكرية إسرائيلية أولية لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامية إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، وهي خطة مؤلفة من 21 بندًا ما تزال غامضة في تفاصيلها، لكنها تثير نقاشًا واسعًا داخل إسرائيل بشأن تداعياتها السياسية والعسكرية والإقليمية. الضابط الإسرائيلي السابق عميت ياغور – الذي شغل مواقع عليا في هيئة التخطيط العسكرية والاستخبارات – أشار في مقال تحليلي إلى أبعاد هذه الخطة، مركزًا على دور السعودية المتنامي كطرف أساسي في صياغة النظام الإقليمي الجديد لما بعد الحرب.

 

وفقًا للتقديرات الأولية التي عرضها ياغور، تقوم خطة ترامب على إنشاء هيئة دولية تشرف على إعادة إعمار غزة وإدارتها لعدة سنوات، بزعامة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. ومن المتوقع أن تنشر قوة دولية على حدود القطاع، تكلف بمنع حماس من إعادة بناء قوتها العسكرية، على أن تستمد الهيئة صلاحياتها من مجلس الأمن الدولي، وتعمل بتنسيق مع السلطة الفلسطينية تمهيدًا لنقل السلطة إليها في وقت لاحق.

ياغور يرى أن هذه المبادئ تختلف عن الخطة الأمريكية التي سربتها واشنطن بوست قبل أسابيع، والتي كانت تقترح وصاية أمريكية مباشرة على غزة لعقد كامل، لتحويلها إلى "منطقة بناء وإعمار كبرى". لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن الخطتين تتجاهلان التحديات الجوهرية: كيفية نزع سلاح حماس بشكل فعلي، وكيفية منعها من إعادة إنتاج نموذج حزب الله في لبنان، حيث نجح الأخير في ترسيخ وجوده رغم تفويض الأمم المتحدة لقوة اليونيفيل.

وأضاف أن إشراك الأمم المتحدة في الإشراف على المرحلة المقبلة في غزة يثير مخاوف عميقة لدى إسرائيل، خصوصًا في ظل تجربتها السلبية مع المنظمة الدولية ووكالة الأونروا، مؤكدًا أن "الأمم المتحدة غالبًا ما كرست الأزمات بدلًا من حلها".

دور السعودية: التحول من الصمت إلى القيادة

النقطة الأكثر بروزًا في المقال هي الإشارة إلى دور السعودية. فبينما تركزت الأنظار على قطر خلال الحرب، يرى ياغور أن الرياض هي "الشريك الصامت" الذي يقف خلف الكواليس، لكنها تتحول تدريجيًا إلى قائد علني للمبادرات الإقليمية.

ويعتبر أن السعودية – بخلاف مواقفها السابقة التي اكتفت بتصريحات عامة عن حق الفلسطينيين – انتقلت في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد الهجوم على إيران، إلى موقع أكثر حزمًا يسعى إلى قيادة العالم العربي نحو اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية. ويربط الكاتب هذا التحول بمحاولة الرياض استعادة زمام المبادرة كما فعلت في مبادرة السلام العربية عام 2002، مستخدمة القضية الفلسطينية كأداة لتوحيد الصف العربي وتعزيز مكانتها الإقليمية.

كما يشير إلى أن السعودية، بالتنسيق مع فرنسا، تحاول رسم نظام إقليمي جديد يربط إنهاء الحرب في غزة بحل سياسي شامل للقضية الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع الرؤية الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا، التي تسعى إلى عزل غزة عن الضفة الغربية وإبقاء المسارين منفصلين.

صراع استراتيجيات: إسرائيل مقابل السعودية

بحسب ياغور، يدور الصراع الآن بين استراتيجيتين:

الاستراتيجية الإسرائيلية: نزع سلاح حماس، عزل غزة عن الضفة، وإنهاء الحرب تحت مظلة نظام إقليمي جديد تقوده الولايات المتحدة دون حل جذري للقضية الفلسطينية.

الاستراتيجية السعودية: ربط إنهاء الحرب بحل شامل للقضية الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية، والدفع نحو إقامة دولة فلسطينية مع تعزيز التحالفات العربية والدولية.


ويرى أن خطة ترامب جمعت بين عناصر من كلا المسارين، لكنها لم تُجب عن الفجوات الجوهرية المتعلقة بالواقع الأمني والسياسي على الأرض.

 

يشير المقال إلى أن الموقف الأمريكي، رغم إعلانه خطة من 21 بندًا، ما يزال غامضًا؛ إذ لم يطرح ترامب نفسه تفاصيل واضحة سوى تذكيره المتكرر بهجمات 7 أكتوبر. حتى الآن، يبدو أن الموقف الأمريكي أقرب إلى إسرائيل، خاصة في رفض الاعتراف بدولة فلسطينية أو إشراك الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أعمال الأمم المتحدة.

غير أن ياغور يحذر من أن المعركة الحقيقية اليوم سياسية وليست عسكرية، فهي معركة بين رؤية إسرائيل ورؤية السعودية، مع احتمالية عقد قمة ثلاثية إسرائيلية-سعودية-أمريكية للتوصل إلى تفاهمات بشأن مستقبل غزة والنظام الإقليمي.

وفي رؤيته الختامية، يطرح الكاتب تصورًا لـ"شرق أوسط جديد" تقوده الهندسة الاقتصادية عبر مشروع الممر التجاري بين آسيا والشرق الأوسط (IMEC)، حيث يكون لكل من السعودية وإسرائيل دور محوري. ويذهب أبعد من ذلك بالتأكيد أن انضمام الفلسطينيين إلى هذا النظام لن يتم إلا إذا تخلوا عن "خطاب المقاومة والإرهاب"، واعترفوا بإسرائيل كأمر واقع، ما يعني أن حماس والفصائل الفلسطينية قد تُدفع إلى الهامش التاريخي في نهاية المطاف.

 

تؤكد القراءة العسكرية الإسرائيلية أن خطة ترامب لا تقتصر على غزة فقط، بل تمثل اختبارًا لتوازن القوى في الشرق الأوسط بين محورين: إسرائيل التي تحاول تكريس الأمر الواقع بالقوة، والسعودية التي تسعى لاستعادة دورها القيادي من بوابة فلسطين. وفي ظل غموض الخطة الأمريكية وتردد واشنطن في طرح تفاصيلها، يبقى مستقبل غزة مرهونًا بنتائج هذا الصراع السياسي الإقليمي والدولي، أكثر من كونه مجرد معركة عسكرية على الأرض.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 8