منذ تأسيس جائزة نوبل للسلام بوصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل عام 1895، ارتبطت الجائزة بهدف تكريم من يسهم في تقليص النزاعات، تعزيز الصداقة بين الشعوب، أو دعم المؤسسات الإنسانية ورغم أن بعض الجوائز أثارت جدلاً واسعًا، فإن القاعدة الأساسية بقيت قائمة: الاحتفاء بالمساعي التي تحمي المدنيين وتدفع نحو حلول سلمية دائمة.
موقف رسمي أميركي:
وفق صحيفة رويترز قال مسؤول أميركي يوم الثلاثاء إن الرئيس السابق دونالد ترامب لن يكون من بين الفائزين بجائزة نوبل للسلام هذا العام، موضحًا أن سياساته تسعى إلى تفكيك النظام الدولي الذي تحرص لجنة الجائزة على صونه وأضاف أن محاولاته في الضغط غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية، فيما تفضّل اللجنة الحفاظ على استقلالها بعيدًا عن أي تدخل سياسي مباشر.
معايير الجائزة وأصلها:
تاريخ الجائزة شهد لحظات مفاجئة، مثل منحها للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد أشهر قليلة من وصوله إلى البيت الأبيض، أو منحها لمستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر في خضم حرب فيتنام. هذه الأمثلة أبرزت أن اللجنة ليست بعيدة عن السياسة، لكنها تحرص على تبرير خياراتها ضمن إطار “فرصة صنع السلام” أو “تصحيح مسار تاريخي”.
سجل ترامب في السياسة الدولية:
على النقيض من تلك التجارب، يقف ترامب محملاً بسجل مثير للجدل. فخلال رئاسته، انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، ومن اتفاق باريس للمناخ، وأطلق حربًا تجارية على حلفاء غربيين تقليديين. كما عزز التحالف مع إسرائيل في ظل حروب غزة، واتخذ مواقف متناقضة من الحرب في أوكرانيا، إذ حاول التقارب مع روسيا من جهة، ووجه انتقادات لحلف الناتو من جهة أخرى.
هذه السياسات تتعارض مع جوهر وصية نوبل، التي تشترط العمل على تعزيز الصداقة بين الأمم. لذلك يرى كثير من المتابعين أن مجرد إدراج ترامب في قائمة الترشيحات يظل شكليًا، من دون فرص حقيقية لاقتناص الجائزة.
البعد الإنساني والمرشحين المحتملين:
لجنة نوبل النرويجية، المكونة من خمسة أعضاء، تميل في السنوات الأخيرة إلى تكريم المؤسسات الإنسانية العاملة في بيئات شديدة القسوة. ويُطرح هذا العام أسماء وكالات أممية مثل مفوضية اللاجئين واليونيسف، إلى جانب منظمات مثل أطباء بلا حدود أو فرق الاستجابة الشعبية في مناطق أزمات كالسودان وأفغانستان.
التوجه نحو هذه المؤسسات يعكس محاولة اللجنة لتأكيد استقلالها عن ضغوط القوى الكبرى، خصوصًا بعد الانتقادات التي واجهتها بسبب قرارات سابقة اعتُبرت مسيّسة لذلك، فإن توجه الجائزة نحو ملف الإغاثة الإنسانية يبدو أقرب للمنطق من منحها لشخصية مثيرة للانقسام كترامب.
سياق غزة وأوكرانيا:
تزامن النقاش حول الترشيحات هذا العام مع استمرار حرب غزة وما خلّفته من مجاعة وأزمات إنسانية غير مسبوقة، إضافة إلى استمرار حرب أوكرانيا. هنا تبرز صورة ترامب كداعم لإسرائيل في مواجهة الفلسطينيين، ومتبنٍ لخطاب يعارض المساعي الأممية لوقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، لم يقدّم خطوات عملية لإنهاء النزاع الروسي الأوكراني، مكتفيًا بانتقادات لفظية أو وعود غامضة بالقدرة على “حل الأزمة في 24 ساعة” إذا عاد للبيت الأبيض.
هذا السجل يجعل احتمالية منحه جائزة تُعنى بالسلام أشبه بالمستحيل، إلا إذا أحرز تحولًا جذريًا عبر وساطة ملموسة توقف إحدى هاتين الحربين.
الجدل المتكرر حول الجائزة:
منذ نشأتها، لم تكن جائزة نوبل للسلام بعيدة عن الجدل. فقد حصل عليها نيلسون مانديلا وفريدريك دي كليرك بعد نهاية الفصل العنصري، لكن كثيرين اعتبروا أن منحها للثاني تبييض لسجله السياسي. كما مُنحت لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عام 2019 بعد توقيعه اتفاق سلام مع إريتريا، قبل أن ينزلق بلده بعد عام واحد فقط في حرب أهلية دامية.
هذه الأمثلة تعني أن اللجنة قد تراهن أحيانًا على شخصيات متناقضة، على أمل أن تغيّر مسارها. لكن وضع ترامب مختلف: فهو لم يقدم حتى الآن أي خطوة عملية نحو السلام يمكن البناء عليها، ما يجعل ترشيحه بلا أرضية موضوعية.
التوازن بين القانون والواقع السياسي:
القانون الدولي يجرّم الحصار والتجويع والهجمات ضد المدنيين، لكن نظام العلاقات الدولية كثيرًا ما يضعف أدوات المحاسبة.
يرى خبراء أن جائزة نوبل لا تستطيع فرض التزامات قانونية، لكنها تمنح شرعية رمزية لمن تختاره وبالتالي، فإن تكريم ترامب سيُفقد الجائزة الكثير من قيمتها المعنوية، خصوصًا في ظل الأزمات الجارية.
السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأقرب هو أن تذهب الجائزة لمؤسسة إنسانية بارزة تعمل في غزة أو السودان أو أوكرانيا، لتسلط الضوء على المعاناة الإنسانية بدلًا من الشخصيات السياسية. سيناريو آخر محتمل هو منحها لشخصية مفاوضة لعبت دورًا في إطلاق الأسرى أو إدخال المساعدات. أما السيناريو الأضعف فهو أن تُمنح لشخصية سياسية مثيرة للجدل مثل ترامب، وهو ما يراه أغلب المراقبين احتمالًا شبه معدوم.
جائزة نوبل للسلام ليست بعيدة عن السياسة، لكنها تحرص على إظهار التزامها بالقيم الإنسانية. في ضوء الحروب الممتدة، واستمرار معاناة المدنيين في غزة وأوكرانيا، تبدو فرص ترامب معدومة، إذ لا سجل له في تعزيز السلام أو حماية المدنيين.
الأقرب أن تذهب الجائزة لمنظمة أو مبادرة إنسانية، لتعيد التأكيد على أن قيم التضامن والإنقاذ هي ما ينبغي أن يحظى بالشرعية والاعتراف.