الإنجيلية في صيدا: كارثة مرت بلا ضحايا… حتى الآن

2025.09.25 - 10:28
Facebook Share
طباعة

 أثار انهيار سقف أحد الصفوف في المدرسة الإنجيلية بمدينة صيدا عاصفة من التساؤلات حول غياب الرقابة والمحاسبة في ملف صيانة الأبنية المدرسية، وسط مخاوف من تكرار مآسٍ سابقة، كان ضحيتها تلاميذ دفعوا حياتهم ثمناً للإهمال.


الانهيار الذي وقع قبل أيام اقتصر على سقوط قشرة السقف، ولم يؤدِ إلى إصابات بشرية، إذ جرى الحادث في غياب الطلاب. غير أن القدر وحده منع تكرار سيناريو مشابه لما وقع في مدرسة القبة الرسمية بطرابلس عام 2022، حين قضت الطالبة ماغي محمود تحت أنقاض سقف متصدّع، بينما خرج المرتكبون بلا محاسبة.


تحميل المسؤوليات
الأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل القسطا، أوضح أن أعمال الصيانة والطلاء التي أجريت خلال العطلة الصيفية لم تكشف عن وجود صدأ في السقف، محمّلاً الشركة المتعهّدة مسؤولية عدم إبلاغ إدارة المدرسة بالمشكلة. وأكد أن السينودس الإنجيلي يتابع بدقة لتحديد المسؤوليات.


لكن الحادثة تطرح أسئلة أبعد من مسؤولية المتعهد. فالمدارس الخاصة، بحسب القوانين المرعية، مطالبة بإجراء كشوف دورية على مبانيها، بإشراف مهندسين يقدّمون تقارير مفصّلة عن وضع الأبنية وما تحتاج إليه من ترميم. ويُفترض أن يغطّي بند الصيانة في الموازنات المدرسية هذه الأعمال، إلا أن الواقع يشير إلى أن الإدارات غالباً ما تضخّم هذا البند لرفع الأقساط، فيما الصيانة الحقيقية تبقى شكلية أو غائبة.


تقصير رسمي واضح
المسؤولية لا تقع على عاتق إدارات المدارس وحدها. فمصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية معنية مباشرة بالتدقيق في الموازنات، ومراجعة ما يتضمنه بند الصيانة، لكن المصلحة كثيراً ما تبرّر تقاعسها بعدم توافر الكادر البشري الكافي. الأخطر أنها لا تلزم المدارس برفع تقارير سنوية حول متانة أبنيتها، رغم أن سلامة الطلاب قضية لا تحتمل التساهل.


في حادثة الإنجيلية، لم تتحرك الوزارة إلا بعد وقوع الانهيار. إذ أصدر رئيس مصلحة التعليم الخاص، عماد الأشقر، تعميماً على المدارس بضرورة تأمين إفادة رسمية بسلامة المبنى وخلوّه من أي خطر، موقّعة من مهندس مدني. إجراء جاء متأخراً، وكان يفترض أن يكون أساسياً في بداية كل عام دراسي، لا ردة فعل بعد كارثة كادت تحصد أرواح التلاميذ.


وزيرة التربية في قفص الاتهام
الأنظار تتجه الآن إلى وزيرة التربية ريما كرامي، التي تواجه اتهامات بالتغاضي عن الفساد الإداري في وزارتها. الوزيرة سبق أن صرّحت قبل أيام بأنها "غير قادرة ولا تملك الجهاز الذي يسمح لها بمساءلة الموظفين المخالفين أو محاسبتهم"، وهو كلام اعتبره مراقبون بمثابة تطمين للفاسدين بأنهم سيبقون بمنأى عن العقاب.


هذا الموقف أثار غضب الأهالي الذين يرون أن سلامة أبنائهم ليست موضوعاً للتجارب، وأن أي إهمال في الصيانة أو تهاون في الرقابة قد يحوّل المدارس إلى مقابر جماعية.


الحاجة إلى إصلاح جذري
الحادثة الأخيرة أعادت إلى الواجهة مطلباً ملحاً: ضرورة وضع خطة وطنية شاملة لمراقبة الأبنية المدرسية الرسمية والخاصة، وإلزامها بكشوف هندسية دورية تحت إشراف لجان مستقلة، بعيداً عن المحسوبيات والصفقات السياسية. كما شدّد خبراء على أهمية تفعيل المساءلة القضائية لمحاسبة كل من يثبت تقصيره، من متعهدين وإدارات وموظفين رسميين.


ففي بلد يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، لا يمكن ترك ملف حيوي كسلامة الطلاب رهينة إهمال الإدارات وتقاعس الدولة. حادثة الإنجيلية جرس إنذار جديد، لكن الخشية أن يمر كما مرّت كوارث سابقة: بضجة إعلامية سرعان ما تخفت، فيما يظل الخطر معلّقاً فوق رؤوس التلاميذ.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 5