تحول الخلاف البحري بين ليبيا ومالطا من نزاع تقني حول الخطوط البحرية إلى اختبار شامل لقوة القانون الدولي وتوازن النفوذ في شرق المتوسط، النزاع يسلط الضوء على التوتر بين المطامح الإقليمية التركية، الاستراتيجيات الدفاعية للدول الصغيرة، وقيود الاتحاد الأوروبي في حماية مصالحه القانونية والسياسية في المنطقة.
جوهر النزاع:
اعتراض مالطا يرتكز على نقطة محورية: الإحداثيات البحرية التي قدمتها طرابلس تغير الخط الوسطي شمالًا، ما يعني تقليص الجرف القاري لمالطا وحقوقها في جزرها.
بالنسبة لدولة جزرية صغيرة، الأمر ليس رمزيًا، بل يتعلق مباشرة بالسيطرة على حقوق الاستكشاف ومكاسب الطاقة المستقبلية.
البعد التركي – الليبي:
شراكات طرابلس البحرية مع أنقرة منذ 2025 أضفت على الخرائط الليبية بعدًا عمليًا: فهي لم تعد مجرد مطالبات، بل حدود مرسومة قد تستغل فعليًا عبر سفن وشركات تركية. هذه الخطوة أعادت للأذهان اتفاق 2019 التركي الليبي، الذي أثار جدلًا قانونيًا واسعًا واتهم بتهميش حقوق أطراف ثالثة كاليونان.
موقف مالطا: التدويل كسلاح
فاليتا اختارت استراتيجية مزدوجة:
1. ابقاء النزاع في إطار التعددية عبر إشراك إيطاليا وتونس وآليات الاتحاد الأوروبي.
2. رفع التكلفة السياسية والقانونية على طرابلس وأنقرة من خلال تدويل الملف.
هذه المقاربة تهدف إلى تقليل احتمالات فرض الأمر الواقع على دولة صغيرة تفتقر لأدوات القوة الصلبة.
مأزق الاتحاد الأوروبي:
الاتحاد الأوروبي أكد تمسكه بالقانون الدولي، يرى مراقبون أنه يواجه ثغرة قديمة: سلطة معيارية دون أدوات تنفيذية فعالة. المعضلة أمام بروكسل مزدوجة:
الخيار الأول: التشدد في مواجهة أنقرة والدفاع عن المعايير، مع احتمال توتر العلاقات في ملف الهجرة.
الخيار الثاني: تغليب الاستقرار على المبدأ، ما قد يضعف المنظومة القانونية البحرية ويخلق سوابق خطيرة.
السيناريوهات المحتملة:
1. مفاوضات ثنائية أو إقليمية تؤدي إلى ترسيم جزئي يحيّد المناطق الأكثر خلافية.
2. اللجوء للتحكيم أو المحاكم الدولية إذا فشلت المفاوضات.
3. تعطيل استثماري بفعل تردد شركات الطاقة الكبرى في دخول مناطق نزاعية، ما يمنح وقتًا إضافيًا للدبلوماسية.
خطوة مالطا تكشف معركة أوسع حول من يرسم الخرائط البحرية ومن يحمي حقوق الدول الصغيرة القضية تتجاوز الموارد قبالة سواحل فاليتا لتصبح اختبارًا لقدرة النظام الدولي على الصمود أمام توازنات القوة الواقعية في شرق المتوسط.