حرمان أهالي اللاذقية من بحرهم.. الكورنيش الجنوبي في قبضة الاستثمارات

2025.09.24 - 03:48
Facebook Share
طباعة

 يشكّل الكورنيش الجنوبي في مدينة اللاذقية أحد أبرز معالمها الطبيعية، بفضل ارتفاعه عن سطح البحر أكثر من 70 متراً، وإطلالته البانورامية التي جعلت منه لعقود متنفساً أساسياً لأهالي المدينة وزوارها. لكن هذه اللوحة الطبيعية الفريدة، التي كانت أشبه بحديقة مفتوحة للجميع، بدأت تتحول تدريجياً إلى منطقة مغلقة أمام العامة، بعدما سيطرت عليها الاستثمارات الخاصة والمشاريع التجارية.


تراجع المساحات العامة
مع بداية فصل الصيف الحالي، ازدادت الإشغالات التجارية على طول الكورنيش الجنوبي، حتى باتت معظم مساحاته محتكرة من قبل مطاعم وكافيهات ومقاهٍ خاصة، بعضها أقيم مباشرة على الشاطئ الصخري نفسه. هذا التوسع لم يحجب البحر عن المارة فحسب، بل غيّر أيضاً ملامح المكان وحوّله من متنزه شعبي مجاني إلى وجهة شبه مغلقة لا يدخلها إلا من يدفع.

مصطفى شخيص، أحد سكان حي الصليبة القريب من الكورنيش، وصف المشهد قائلاً:
«الواجهة البحرية فقدت روحها. من يأتي اليوم إلى الكورنيش يشعر وكأنه يسير في سوق تجاري مزدحم، لا في مكان للاستجمام. الأكشاك والمقاهي تملأ كل زاوية، ولم يعد هناك مجال للعائلات لتجلس في الهواء الطلق كما كان في السابق».


البحر لم يعد متاحاً للجميع
ندى أمين، شابة في الـ27 من عمرها من حي مرتقلا، عبّرت عن استيائها من كثرة الإشغالات قائلة:
«لم يعد بإمكاننا الجلوس أمام البحر إلا إذا دخلنا إلى أحد المقاهي. المساحة العامة الوحيدة المتبقية لنا هي منطقة "التبليطة" وحديقة الحرش، وهما صغيرتان جداً مقارنة بحجم الكورنيش».

هذا الشعور المتنامي لدى السكان يعكس قلقاً أوسع من تراجع الفضاءات العامة في المدينة، خصوصاً أن الكورنيش كان على الدوام رمزاً مفتوحاً للتنزه ومكاناً متاحاً للجميع دون استثناء.


انتقادات لسياسة الاستثمار
من جهته، انتقد المهندس فواز عميش، وهو من سكان اللاذقية، طريقة تعامل البلدية والمحافظة مع الواجهة البحرية، قائلاً:
«في معظم الدول، تُترك الواجهات البحرية للعامة لأنها حق جماعي، وتُقام فيها حدائق ومنتزهات عامة. أما في اللاذقية، فقد تحوّل الكورنيش إلى مصدر دخل للمستثمرين، وباتت الاستفادة منه محصورة بالمقتدرين. الأفضل أن تُنقل هذه الاستثمارات إلى الجهة الداخلية، وأن يُعاد تحويل الواجهة البحرية إلى متنزه شعبي وحدائق للأطفال».


الأكشاك.. استثمار قصير المدى
في السياق نفسه، أعلنت محافظة اللاذقية خلال الأسابيع الماضية عن توزيع دفعة جديدة من الأكشاك ضمن مزادات علنية شملت 150 موقعاً مختلفاً في المدينة. وتمتد عقود هذه الأكشاك لعامين فقط، مع اختلاف أسعارها بحسب قيمة المزايدات ومواقعها الجغرافية.

غير أن هذه السياسة، التي تبررها السلطات المحلية بأنها وسيلة لزيادة موارد البلدية وتشجيع النشاط الاقتصادي، أثارت المزيد من الانتقادات، إذ يعتبر الأهالي أن الأكشاك تزيد من الضغط على المساحات العامة، وتحوّل الكورنيش من فضاء عام إلى امتداد لمشاريع تجارية ضيقة الأفق.


بين البحر والمدينة
الكورنيش الجنوبي لطالما كان نافذة تطل منها اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط، ومتنفساً لأهلها البسطاء قبل الميسورين. اليوم، ومع تضييق الخناق على المساحات العامة وتحويلها إلى مشاريع استثمارية، تطرح تساؤلات حول حق الأهالي في الوصول إلى البحر، وحول دور السلطات المحلية في حماية هذه الواجهة كرمز للمدينة وذاكرة لأبنائها.

وبينما تستمر المحافظة في طرح مشاريع جديدة على طول الكورنيش، يبقى الجدل محتدماً بين من يرى في الاستثمار وسيلة لدعم الاقتصاد المحلي، وبين من يراه تفريطاً بحقوق الناس وحرماناً لهم من آخر متنفس طبيعي مجاني في مدينتهم.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8