الاقتصاد السوري بين الانفتاح الاستثماري وتحديات إعادة الإعمار

2025.09.24 - 03:38
Facebook Share
طباعة

بعد أكثر من ستة عقود من الاقتصاد الموجّه، وحوالي 13 عامًا من حرب مدمّرة أطاحت بالبنية التحتية والإنتاجية لسوريا، دخلت البلاد مرحلة جديدة تسعى فيها لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. الحكومة السورية أعلنت عن استقطاب استثمارات خارجية تتجاوز 28.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025، مع توقع بلوغها 100 مليار دولار بنهاية العام. غير أن الخبراء يرون أن الطريق ما زال مليئًا بالتحديات البنيوية والتشريعية والسياسية.

 


1. الخسائر الاقتصادية وحجم الفجوة الاستثمارية

تشير تقديرات البنك الدولي والإسكوا إلى أن الاقتصاد السوري فقد أكثر من 800 مليار دولار خلال الحرب.

الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 84% منذ 2010 (من 60 مليار دولار إلى 17.5 مليار عام 2023).

احتياجات إعادة الإعمار تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، بينما تقديرات الحكومة تصل إلى تريليون دولار.

البطالة عند حدود 25%، ما يجعل الاستثمارات ضرورة لتوليد فرص عمل.

 


2. الإصلاحات القانونية والمؤسساتية

إصدار قانون استثمار جديد يضمن حماية الاستثمارات والحقوق الفكرية.

تأسيس مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية وهيئة استثمار محدثة.

محفزات استثمارية تشمل:

خفض الرسوم الجمركية.

نظام ضريبي مرن.

صناديق استثمارية لجذب رؤوس الأموال.

 

الخبير الاقتصادي فراس السيد يرى أن هذه الخطوات "تمنح المستثمرين شعورًا بالثقة وتفتح الباب أمام مشروعات حيوية".

 


3. طبيعة التدفقات الاستثمارية

الرئيس أحمد الشرع أعلن أن الاستثمارات المستقطبة ستُستخدم كأساس لإعادة الإعمار وتوفير وظائف.

أهم الاتفاقيات:

7 مليارات دولار بقطاع الطاقة (محطات غازية وشمسية) مع "UCC" القطرية.

6.4 مليارات دولار مع السعودية.

4 مليارات دولار لمطار دمشق الجديد (قطرية).

2 مليار دولار لمترو أنفاق دمشق (إماراتية).

2 مليار دولار أبراج سكنية وتجارية (إيطالية).


إجمالي مذكرات التفاهم المعلنة في أغسطس 2025 بلغ 14 مليار دولار.


لكن د. عماد الدين المصبح يرى أن "ما سيتحقق فعليًا قد لا يتجاوز 10% من التعهدات المعلنة"، أي نحو 5 مليارات دولار فقط.

 


4. تحديات أمام تدفق الاستثمارات

العقوبات الأميركية لم تُرفع بشكل كامل، رغم تخفيف أوروبي وسويسري.

هشاشة البنية القانونية وضعف الضمانات للمستثمرين.

غياب وضوح في السياسة الاقتصادية وعدم مواءمتها مع السياسات المالية والنقدية.

التركيز الحالي على مشاريع خدمية (فنادق، موانئ) بدلًا من القطاعات الإنتاجية والإستراتيجية.

سوريا لا تزال في مرحلة انتقالية، تتطلب إصلاحات عميقة لبناء ثقة طويلة المدى.

 

5. الأبعاد العالمية: دروس وتجارب

تجارب مثل سنغافورة وتايوان أظهرت أن الاستثمار الأجنبي قادر على إحداث قفزة تنموية إذا توافرت بيئة مستقرة وشفافة.

بحث للبنك الدولي (2024) أشار إلى أن زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 10% تؤدي إلى نمو الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 0.3% خلال 3 سنوات، وتصل النسبة إلى 0.8% في الدول ذات المؤسسات القوية.

لذلك يقترح البنك الدولي إستراتيجية بثلاثة محاور:

1. جذب الاستثمار الأجنبي.


2. تعظيم منافعه عبر نقل التكنولوجيا وتوليد وظائف.


3. تعزيز التعاون العالمي لدعم التدفقات.

 

الاقتصاد السوري يقف على مفترق طرق: من جهة، هناك رغبة سياسية واضحة لدى النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع للانفتاح الاقتصادي، مدعومة برفع تدريجي للعقوبات وتوقيع اتفاقيات مليارية مع شركاء عرب وأجانب. ومن جهة أخرى، تواجه البلاد تحديات صعبة تتعلق بضعف البنية القانونية، هشاشة المؤسسات، وحجم الدمار الهائل الذي يتطلب استثمارات تتجاوز بكثير ما هو متاح.

وبين الطموح والواقع، يبقى السؤال: هل ستنجح سوريا في تحويل التعهدات الاستثمارية إلى مشاريع ملموسة تعيد بناء اقتصادها وتدمجها من جديد في شبكات الإنتاج العالمية، أم ستظل هذه الأرقام أقرب إلى وعود سياسية منها إلى واقع اقتصادي؟

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 10