بيانات مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة توضح أن موجات النزوح في اليمن ما زالت تتزايد بوتيرة مقلقة، وهو ما يظهر عمق الأزمة الإنسانية وتشابك أبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية. فمنذ مطلع العام وحتى 20 سبتمبر تم رصد نزوح 2275 أسرة تمثل نحو 13650 فردا مرة واحدة على الأقل، وخلال الفترة ما بين 14 و20 سبتمبر فقط سجل نزوح 68 أسرة تضم 408 أفراد، معظمهم من محافظات شبوة ومأرب والحديدة.
اتجاهات النزوح الأخيرة:
توزعت حركة النزوح الأخيرة في ثلاث محافظات رئيسية:
شبوة (30 أسرة) نزحت داخليا بين مديريات ميفعة (19 أسرة) وجردان (11 أسرة).
مأرب (22 أسرة) استقرت بين مدينة مأرب (10 أسر) ومديرياتها (12 أسرة)، وغالبية الأسر جاءت من إب ومأرب نفسها.
الحديدة (15 أسرة) نزحت داخليا بين مديريات حيس (9 أسر) والخوخة (6 أسر).
وفي المقابل، سجلت مناطق المغادرة الأبرز في شبوة (30 أسرة) والحديدة (18 أسرة) وإب (10 أسر). هذا الاتجاه يعبر عن حركة مستمرة بين مناطق تشهد توترا وأخرى تعتبر ملاذا مؤقتا رغم ضعف الخدمات فيها.
الدلالات:
النزوح الداخلي داخل المحافظات يوضح تصاعد التهديدات الأمنية وتدهور الخدمات الأساسية، مع غياب مناطق بديلة قادرة على استيعاب الأسر المتضررة.
في مأرب مثلاً يظهر النزوح المتكرر كدليل على هشاشة الأوضاع، حيث تتحول بعض المديريات إلى نقاط استقبال رغم أنها في الوقت ذاته مصدر للنزوح.
أما في الحديدة فإن انتقال الأسر بين المديريات الساحلية مثل حيس والخوخة والتحيتا يكشف عن نمط نزوح دائري، حيث يضطر السكان إلى التنقل مرارا ضمن نطاق جغرافي محدود هربا من الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة.
الأبعاد الإنسانية:
النزوح المستمر يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في بلد يعيش واحدة من أكبر الأزمات في العالم، الأسر النازحة الجديدة تنضم إلى ملايين اليمنيين الذين سبق أن فقدوا مساكنهم ومصادر دخلهم، بينما مناطق الاستقبال تعاني من ضغط شديد على مواردها المحدودة.
كما أن القيود المفروضة على وصول فرق التتبع التابعة للمنظمة الدولية للهجرة إلى بعض المحافظات تجعل الأرقام المتاحة أقل من الواقع الحقيقي، ما يفتح الباب لاحتمال أن حجم النزوح أكبر بكثير.
البعد السياسي والأمني:
تزايد النزوح يتزامن مع استمرار التوترات العسكرية في عدة جبهات، ما يجعل المدنيين في صدارة المتضررين.
النزوح يمثل مؤشرا على تعثر جهود التهدئة وإعادة الاستقرار. وفي ظل غياب تقدم سياسي حقيقي تبدو فرص عودة الأسر إلى مواطنها الأصلية محدودة، وهو ما ينذر بأزمات طويلة الأمد مرتبطة بالاستقرار وإعادة الإعمار.
الأوضاع الحالية ترسم صورة لحلقة مفرغة: القتال يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، والنزوح يفاقم التدهور الإنساني، فيما تغيب الحلول السياسية المستدامة وبينما تحاول منظمات الإغاثة مواكبة الأرقام اليومية للنازحين، يظل التحدي الأكبر هو توفير حماية شاملة تضمن للمتضررين المأوى والاحتياجات الأساسية وتفتح الطريق لعودة آمنة عند توقف القتال.