أثار تقرير مطول نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية جدلاً واسعاً بعد اتهامه لمصر بـ"تقويض الملحق الأمني لمعاهدة السلام" الموقعة عام 1979، عبر فرض وقائع ميدانية جديدة في سيناء. يأتي ذلك في ظل تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وتنامي المخاوف المصرية من نزوح الفلسطينيين إلى أراضيها، وهو ما تصفه القاهرة بـ"خط أحمر".
الملحق الأمني: جوهر معاهدة السلام
أوضح السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر، ديفيد غوفرين (2016–2019)، أن الملحق الأمني لمعاهدة كامب ديفيد نص على:
إقامة مناطق منزوعة السلاح في سيناء (مناطق أ، ب، ج) بوجود مصري محدود.
قيود صارمة على حجم القوات والمعدات المصرية في تلك المناطق.
مقابل ذلك، قيود محدودة جداً على إسرائيل في المنطقة (د)، نظراً لضيق مساحتها.
وصف المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، مئير روزن، هذه الترتيبات بأنها "أحد أهم إنجازات إسرائيل" لأنها منحتها ضمانات أمنية رغم تخليها عن "العمق الاستراتيجي" في سيناء.
السيادة المنقوصة.. عقدة مصرية متجذرة
أكد غوفرين أن مصر نظرت لهذه القيود باعتبارها انتهاكاً لسيادتها الوطنية. ومنذ توقيع الاتفاقية، عملت القاهرة تدريجياً على تقليص القيود عبر:
طلب موافقات إسرائيلية – غالباً بأثر رجعي – لزيادة عدد الجنود والمعدات لمكافحة الإرهاب.
استخدام خطاب رسمي يصف الوضع بـ"السيادة المنقوصة".
وبمرور الوقت، تحولت هذه الطلبات إلى وقائع على الأرض، بموافقة أمريكية وإسرائيلية في أغلب الأحيان.
غزة والخطوط الحمراء المصرية
يرى غوفرين أن التطورات الأخيرة في غزة دفعت مصر لتشديد موقفها:
رفض قاطع للهجرة القسرية للفلسطينيين إلى سيناء.
تحذيرات رسمية بأن ذلك يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي.
دعوات إلى إسرائيل لإعلان رسمي يرفض فكرة التهجير.
وفي سياق متصل، اعتبر غوفرين أن وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإسرائيل بـ"العدو" في قمة الدوحة يمثل سابقة تاريخية منذ توقيع معاهدة السلام، ويعكس حجم التوتر المتصاعد.
الاقتصاد والسياسة.. صفقة الغاز المعلقة
التقرير أشار أيضاً إلى أن التوتر السياسي ترافق مع أزمة اقتصادية، إذ لوّحت القاهرة بتعليق صفقة غاز بقيمة 35 مليار دولار، ما يضيف بعداً جديداً للتجاذب بين الطرفين، حيث تتقاطع الحسابات الاستراتيجية مع المصالح الاقتصادية طويلة الأمد.
نحو تآكل تدريجي للاتفاقية؟
بحسب التحليل الإسرائيلي، فإن مصر قد تسعى في المرحلة المقبلة إلى:
زيادة تواجدها العسكري في سيناء بذريعة حماية الأمن القومي.
اشتراط انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا كشرط لأي تهدئة أو إعادة انتشار.
توظيف الظرف الإقليمي لتقليص تدريجي للقيود المفروضة بموجب الملحق الأمني.
وحذّر غوفرين من أن إسرائيل ستواجه صعوبة في إقناع الولايات المتحدة أو القوة متعددة الجنسيات بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
صراع قديم يتجدد؟
في خلاصة تقريره، اعتبر غوفرين أن إسرائيل قد تجد نفسها أمام جيش مصري كامل الانتشار على حدودها الشرقية، بدلاً من "الريفيرا الفلسطينية" التي مثّلها قطاع غزة في السابق. وهو ما وصفه بأنه مقدمات أولية لصراع جديد مع مصر، إذا استمرت الوقائع الميدانية في تجاوز نصوص معاهدة السلام.