تصاعدت حدة التوترات بين مصر وإسرائيل في ظل الحرب الدائرة في قطاع غزة، مع بروز مخاوف مصرية جدية من تدفق موجات نزوح فلسطينية عبر حدودها. هذا التوتر يشكل اختبارًا حقيقيًا لأول مرة منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية قبل 46 عامًا، ويهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات الأمنية والسياسية في المنطقة.
الخبراء يعتبرون أن سيناء، التي لطالما كانت منطقة فاصلة بين مصالح الدولتين، تتحول اليوم إلى نقطة حساسة قد تؤثر على استقرار الشرق الأوسط بأكمله، خصوصًا مع تضاعف التحديات الإنسانية نتيجة العمليات العسكرية في غزة.
الحشود العسكرية المصرية في سيناء
ذكرت القناة 13 الإسرائيلية أن مصر قامت بحشد قوات عسكرية بالقرب من حدود قطاع غزة في سيناء. وتأتي هذه التحركات في وقت تشهد فيه المنطقة تزايدًا في عدد النازحين الفلسطينيين الذين يسعون للعبور إلى الأراضي المصرية، ما دفع القاهرة إلى اتخاذ إجراءات مشددة لضمان عدم اختراق حدودها.
المسؤولون الإسرائيليون أكدوا أن التحركات العسكرية المصرية لم تنتهك بنود اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، لكنهم أشاروا إلى أن حجم الحشود يثير قلقًا استراتيجيًا ويستدعي متابعة دقيقة. وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين: "نحن نراقب الوضع عن كثب، وحجم الحشد المصري يثير اهتمامنا ويستدعي الحصول على توضيحات رسمية من القاهرة".
إسرائيل تلجأ للضغط الأمريكي
في إطار محاولتها فهم طبيعة التحركات المصرية، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة التدخل للتحقيق في حجم الحشود العسكرية في سيناء، بحسب ما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية "كان 11". وتأتي هذه الخطوة في سياق التوترات المتصاعدة بين الجانبين، وسط مخاوف من أي تصعيد غير مقصود قد يؤدي إلى مواجهات مباشرة.
هذا الطلب الأمريكي يعكس مدى القلق الإسرائيلي من أن أي تحركات غير متوقعة على الحدود قد تُفسَّر على أنها تهديد أمني، مما قد يدفع إسرائيل لاتخاذ إجراءات عسكرية وقائية، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة.
التصعيد الإعلامي والسياسي المصري
لم تقتصر التحركات المصرية على الجانب العسكري، بل ترافقت مع حملة إعلامية وسياسية قوية. وسائل الإعلام المصرية تصاعدت فيها الانتقادات تجاه إسرائيل، خصوصًا فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في غزة ومخاطر النزوح.
برزت تصريحات النائب والإعلامي مصطفى بكري، الذي حذر إسرائيل صراحة، قائلاً: "مصر لا تُقهر.. مصر قوية وعفية، وإذا تجاوزتم حدودها لأي سبب، ستجدوننا في تل أبيب في اليوم التالي.. لقد تم تحذيركم".
من جانبها، أكدت وزارة الدفاع المصرية أن القوات المنتشرة في سيناء تهدف حصريًا إلى تأمين الحدود ضد أي تهديد، بما يشمل التهريب أو الأعمال المسلحة، وذلك ضمن التنسيق المسبق مع الأطراف المعنية وضمن إطار الاتفاقيات الموقعة، دون أي تجاوز لبنود السلام.
المخاطر على استقرار اتفاقية السلام
التوترات الأخيرة تمثل أول اختبار حقيقي لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية منذ توقيعها عام 1979. خبراء العلاقات الدولية يرون أن أي خطأ في تقدير الموقف أو سوء فهم للتحركات العسكرية قد يؤدي إلى أزمة دبلوماسية أو مواجهة عسكرية محدودة، خصوصًا في ظل الضغوط الإنسانية والسياسية الناتجة عن الحرب في غزة.
وتشير التحليلات إلى أن استمرار حالة عدم اليقين على الحدود المصرية الإسرائيلية قد يؤدي إلى تغييرات في آليات التنسيق الأمني، بما في ذلك مشاركة أطراف دولية لمراقبة الوضع على الأرض ومنع أي تجاوزات.
المخاطر الإقليمية وقلق الأردن
لا يقتصر التوتر على مصر وإسرائيل، بل يمتد إلى الأردن، الذي أعرب عن قلقه من احتمال تنفيذ ما يُعرف بـ"خطة ترامب للهجرة"، التي قد تدفع الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.
عمان تعمل على تعزيز التنسيق الإقليمي مع قطر وتركيا وسوريا لمواجهة أي تداعيات محتملة لتوسع العمليات الإسرائيلية في غزة، مع التركيز على تأمين حدودها ومنع موجات نزوح قد تؤثر على استقرار المملكة.
المحللون يرون أن أي تهجير جماعي للفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى أزمة إنسانية كبيرة، وستكون له انعكاسات على العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وربما على المبادرات الدولية لوقف النار.
الحشود العسكرية المصرية في سيناء، والتحذيرات الصريحة من القاهرة، والتدخل الأمريكي المتوقع، تشكل كلها مؤشرات على مرحلة جديدة من التوتر الإقليمي. المنطقة تدخل فترة حساسة قد تشهد إعادة رسم التحالفات وتحديد أولويات الأمن الإقليمي. مراقبو الشأن الدولي يحذرون من أي خطأ في التقدير أو سوء فهم للتحركات العسكرية، لأن العواقب قد تتجاوز الحدود المصرية-الإسرائيلية لتشمل الأمن والاستقرار الإقليمي بشكل كامل.