تفاصيل الحوار الذي قلب الموازين.. الشرع يوضح "مهمتي أصعب من مهمة الأميركيين في العراق"
شهدت قمة "كونكورديا" في نيويورك مشهدًا غير معتاد في السياسة الدولية؛ الرئيس السوري أحمد الشرع والجنرال الأميركي السابق ديفيد بتراويس، الرجل الذي كان يُعتبر من أبرز المسؤولين الأميركيين الذين لاحقوا الفصائل السورية المسلحة التي يقودها الشرع خلال الحرب، جلسا على طاولة واحدة لإجراء مقابلة علنية.
لعدة سنوات، شكلت العلاقة بين الرجلين رمزًا للصراع والتوتر؛ بتراويس كان يراقب ويراقع تحركات الشرع، بينما كان الأخير يُعتبر هدفًا للتقييم الأميركي خلال فترة الصراع في سوريا. لكن اليوم، في قلب نيويورك وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ظهرت المفارقة: خصمان سابقان يجلسان معًا للحوار، فيما يُمكن وصفه بـ"المصالحة السياسية الرمزية".
لحظات المزاح والمفارقات السياسية
بدأ اللقاء بتبادل المزاح، حيث قال الشرع مخاطبًا بتراويس: "لا شيء مستحيلاً في السياسة". وأجاب الجنرال الأميركي، موضحًا أنه خلال الحرب السورية وضع تقييمًا للفصيل الذي يقوده الشرع، مؤكدًا أنه "وطني ويمكن الاعتماد عليه".
ثم أضاف الشرع بابتسامة مزيحة: "إن مهمتي أصعب بالتأكيد من مهمة الأميركيين في العراق. كان عندكم خيار أن تتركوا العراق، أما خياراتنا فمحدودة"، في إشارة إلى التحديات الداخلية التي تواجه القيادة السورية وسط العقوبات والحصار الدولي.
الدعوة الأميركية لرفع العقوبات
ركز الشرع على السياسة الخارجية والاقتصادية، حيث جدد دعوته إلى واشنطن لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر. وقال: "العقوبات المفروضة على نظامنا لم تعد مبررة، والسوريون يعتبرونها إجراءات تستهدفهم بشكل مباشر". وأضاف أن رفع العقوبات يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويساهم في تهيئة بيئة أكثر استقرارًا للحوار الدولي.
تطورات المفاوضات الأمنية مع إسرائيل
تطرق الشرع خلال المقابلة إلى المفاوضات الأمنية مع إسرائيل، مشيرًا إلى أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة، تهدف إلى الحفاظ على سيادة سوريا وطمأنة الجانب الإسرائيلي. وأوضح أن الهدف من هذه المفاوضات هو إيجاد أرضية مشتركة تضمن الاستقرار الإقليمي وتحافظ على مصالح سوريا الوطنية، وهو ما اعتبره مؤشرًا على قدرة الدبلوماسية السورية على إدارة الملفات الحساسة.
لحظة تاريخية على منبر الأمم المتحدة
زيارة الشرع إلى نيويورك تتزامن مع مناسبة تاريخية؛ فهو أول رئيس سوري يتحدث من على منبر الأمم المتحدة منذ حرب يونيو 1967 مع إسرائيل، ما يجعل كلمته محط متابعة دولية دقيقة، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية الأخيرة.
تفاعل الجمهور ووسائل التواصل
انتشرت صور ومقاطع الفيديو للقاء بين الشرع وبتراويس بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ لاقى الحوار بين الرجلين اهتمامًا واسعًا من السوريين والدوليين على حد سواء. وأظهر اللقاء كيف يمكن للسياسة أن تتحول من ميدان للصراع إلى منصة للحوار، حتى بين خصوم تاريخيين.
لقاء الشرع وبتراويس في نيويورك لم يكن مجرد مقابلة عابرة، بل كان رمزية سياسية تحمل رسائل عدة؛ من قدرة الخصوم على التحول من مواجهة مفتوحة إلى حوار بناء، إلى التأكيد على أهمية الدبلوماسية في إدارة الأزمات الإقليمية. هذا الحوار، الذي جمع رئيسًا سوريًا وخصمًا أميركيًا سابقًا على طاولة واحدة، يوضح أن السياسة لا تعرف ثباتًا مطلقًا، وأن العلاقات الدولية يمكن أن تتحول بمقدار من الجرأة والمرونة، حتى في أكثر الملفات تعقيدًا مثل الأزمة السورية والعقوبات الدولية والمفاوضات الأمنية مع إسرائيل.