لا تزال قضية المقابر الجماعية في مدينة ترهونة الليبية تمثل علامة فارقة في ملف حقوق الإنسان بالبلاد، حيث يطالب أهالي الضحايا بالتحرك السريع لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق ذويهم، وسط ما يرونه بطئًا في تطبيق العدالة واستمرار حالة الإفلات من العقاب.
وأكدت الأسر أن بعض المتهمين الذين ارتكبوا أعمال العنف انضموا لاحقًا إلى قوات أمنية أو فرّوا إلى دول مجاورة، دون أن تتخذ السلطات الليبية أي إجراءات فعالة لمحاسبتهم، ما يثير شعورًا عميقًا بالإحباط ويقوّض ثقة المواطنين في المؤسسات القضائية.
خلفية الجرائم والجرائم المرتكبة:
تعود الجرائم في ترهونة إلى الفترة بين 2013 و2020، عندما كانت المدينة تحت سيطرة ميليشيا "الكانيات"، التي اتهمت بارتكاب عمليات قتل جماعية واختطافات واسعة النطاق. وقد أظهرت التحقيقات أن المئات من الأشخاص اختفوا أو اختطفوا، بينما تعرض آخرون للتعذيب والقتل دون محاكمات عادلة. كما تم العثور على أكثر من 20 مقبرة جماعية تضم جثثًا لأشخاص من مختلف الأعمار، بما في ذلك أطفال، بعضهم مكبل اليدين، مما يعكس الطبيعة الوحشية للجرائم المرتكبة.
إجراءات قضائية جزئية ومتأخرة:
على الرغم من بعض التقدم، فإن الإجراءات القضائية لا تزال محدودة.
ففي أكتوبر 2024 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية ستة مذكرات توقيف بحق أعضاء ميليشيا "الكانيات"، لكن تم القبض على اثنين فقط، ولم يتم إحالة أي منهما بعد إلى المحكمة في لاهاي. وأوضحت الرابطة أن العدالة المحلية تواجه تحديات كبيرة بسبب ضعف السلطة التنفيذية والانقسامات السياسية المستمرة في البلاد، ما يجعل إحالة المعتقلين إلى المحكمة الجنائية الدولية خيارًا أكثر أمانًا لضمان المحاسبة الفعلية.
جهود أممية ومطالبات الأهالي:
نظمت البعثة الأممية بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان اجتماعًا حضره ممثلون عن الحكومة والسلطات القضائية والأمنية لمناقشة القضايا المرتبطة بالمقابر الجماعية والمفقودين. وطالبت الرابطة باستئناف أعمال التنقيب عن المقابر الجماعية المتوقفة منذ ما يقارب العامين، معتبرة أن توقف التنقيب يشوّه الأدلة ويعرقل التحقيقات. كما شددت على أهمية جبر ضرر العائلات وردّ الاعتبار لهم ضمن مسار العدالة الانتقالية.
تحديات تنفيذ الأحكام والملفات القضائية:
يرى مراقبون أن النيابة العسكرية في مسلاتة تلقت أكثر من 1200 قضية تتعلق بالقتل والاختطاف والتعذيب، لكنها تواجه صعوبات في تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها، نتيجة الانقسام السياسي وضعف التنسيق بين الأجهزة التنفيذية. في هذا السياق، اقترح المشاركون إنشاء غرفة مشتركة لتعزيز التعاون بين الجهات المعنية وتوحيد الجهود تحت قيادة مكتب رئيس الوزراء، بهدف تجاوز العقبات التي تقف أمام تحقيق العدالة.
الآثار الإنسانية والاجتماعية:
القضية ليست مجرد ملف قضائي، بل تمثل أزمة إنسانية عميقة أثرت على المجتمع المحلي بشكل كبير. إذ تعكس تلك المقابر الجماعية حجم الانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين، وتستمر في ترك أثر نفسي واجتماعي كبير على أهالي الضحايا والمجتمع المحلي، ما يجعل تحقيق العدالة العادلة والشفافة ضرورة ملحة لتثبيت الاستقرار وإعادة الثقة بين المواطنين والدولة.