الخطاب السياسي الأخير في لبنان يعكس محاولة لإبراز دور الدولة كإطار جامع لإدارة الشأن العام، في مقابل استمرار حضور قوى سياسية وعسكرية مؤثرة خارج المؤسسات، هذا التباين ليس جديداً، لكنه يتجدد اليوم في ظل نقاشات مرتبطة بالانتخابات، وبمستقبل الوزارات ذات الطابع الاستثنائي، وبمحاولة ربط البلاد بمسارات أكثر عصرية مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
من زاوية تحليلية، يمكن النظر إلى تصريحات الوزير كمال شحادة باعتبارها جزءاً من اتجاه عام يسعى للتأكيد على أن القرارات الكبرى يجب أن تُتخذ عبر المؤسسات الدستورية. التركيز على هذا البعد يكشف عن إدراك متزايد لدى السلطة التنفيذية أن التحدي الأساسي يكمن في إعادة الاعتبار للعمل المؤسسي بعد سنوات من الأزمات.
في الوقت نفسه، يبرز ملف الانتخابات النيابية كاختبار فعلي لهذا التوجه. فالنقاش لا يتوقف عند موعد الاستحقاق، بل يتعداه إلى بنية القانون الانتخابي ذاته، وما إذا كان يتيح تمثيلاً حقيقياً أم أنه يكرّس موازين القوى الراهنة. هذه الإشكالية تجعل الاستحقاق الانتخابي ليس مجرد إجراء دوري، بل مرآة لطبيعة النظام السياسي وحدود قدرته على التطوير.
أما على مستوى وزارة المهجرين، فالحديث عن إقفالها منذ سنوات يطرح تساؤلات حول كيفية التعامل مع ملفات لم تُقفل بشكل كامل، هذه القضية تكشف التناقض بين الرغبة في طيّ صفحة الحرب الأهلية من جهة، والحاجة إلى معالجة تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى.
في المقابل، إدماج ملف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في صلب العمل الحكومي يشير إلى توجه نحو تقديم صورة مختلفة للبنان، لا تقتصر على صراعاته الداخلية، وانما تسعى إلى إبراز قدرته على الانخراط في مسارات حديثة تهم مختلف الفئات العمرية. هذا البعد يعطي انطباعاً بأن الدولة تحاول الموازنة بين معالجة إرث الماضي والانفتاح على تحديات المستقبل.
بناءً على ذلك، يمكن القول إن لبنان يقف أمام معادلة معقدة: من جهة، الحاجة إلى ترسيخ منطق الدولة كمؤسسة مرجعية؛ ومن جهة أخرى، وجود مراكز قوى خارجية وداخلية يصعب تجاوزها. نجاح هذه المعادلة أو فشلها سيحدد ما إذا كان الخطاب الرسمي يعكس فعلاً مساراً جديداً أم أنه يبقى ضمن دائرة التصريحات السياسية المتكررة.