فالهجمات المستمرة والانتشار العسكري على الحدود الجنوبية يمنع الاستقرار ويجعل التعافي عملية شاقة ومعقدة.
الأوضاع الميدانية انعكست بشكل مباشر على البنية التحتية الأساسية.
خلال ذروة التصعيد، تم إخلاء ثمانية مستشفيات بالكامل، فيما تضرر أكثر من عشرين مستشفى بدرجات متفاوتة، وهو ما يمثل نحو 13 في المائة من إجمالي مؤسسات الرعاية في البلاد.
أما مرافق الرعاية الصحية الأولية، فقد أغلقت أبواب أكثر من 130 مركزاً، ما ترك مساحات واسعة من الجنوب بلا خدمات طبية أساسية.
النبطية وحدها فقدت ما يقارب 40 في المائة من قدرتها الاستيعابية، وهو ما يعكس عمق التحدي الذي تواجهه المنظومة الصحية.
الأزمة الصحية لا تقتصر على المؤسسات فقط، بل تشمل الأفراد الذين يحاولون التكيف مع واقع جديد.
فالكثير من العائلات تعيش بين أطلال منازلها المدمرة، وتكابد للحصول على الأدوية والرعاية الطبية، في وقت تستمر فيه أصوات الطائرات من دون طيار والانفجارات في تذكيرهم بأن الحرب لم تنتهِ فعلياً. هذا المناخ يترك بصماته على الصحة النفسية، حيث يعاني عدد كبير من السكان من القلق واضطرابات النوم وفقدان الشعور بالأمان.
المشهد الإنساني أكثر تعقيداً مع وجود لاجئين ومهاجرين يعيشون أوضاعاً مشابهة.
لبنان يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري ومئات آلاف الفلسطينيين إلى جانب عمال مهاجرين في ظروف هشة أصلاً، ومع ذلك، فإن الكثير من المبادرات الإغاثية لم تشملهم، ما جعل احتياجاتهم الصحية والمعيشية في مستويات حرجة.
التحديات مرشحة للتفاقم خلال المرحلة المقبلة، إذ تستعد بعض الوكالات الدولية لوقف دعمها لتكاليف الرعاية الصحية المتخصصة بنهاية العام الجاري، في وقت تشهد فيه منظمات أخرى تراجعاً حاداً في التمويل. هذا التراجع يهدد بتضييق الخيارات أمام مئات الآلاف من اللبنانيين واللاجئين، ويضعهم أمام معاناة أكبر في الحصول على علاج للأمراض المزمنة أو الرعاية الطارئة.
في المقابل، تحاول منظمات إنسانية سد الفجوات عبر إنشاء عيادات ميدانية وإعادة تأهيل بعض المراكز الصحية الأولية. غير أن هذه الجهود، على أهميتها، تظل محدودة أمام اتساع حجم الأزمة. فالتعافي الحقيقي يتطلب استقراراً أمنياً يتيح للنازحين العودة إلى منازلهم، ويضمن توفير بيئة آمنة تسمح بإعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية.
الحرب تركت آثاراً طويلة المدى على المجتمع، من نزوح وفقدان وتدهور في الصحة العامة، وهي آثار لن تزول سريعاً. ومع استمرار الانهيار الاقتصادي في لبنان، يصبح عبء الأزمة الصحية والإنسانية أكبر، ويزداد اعتماد الناس على المساعدات الخارجية كخيار شبه وحيد للبقاء.