لا تزال قضية المختفين قسرياً من الفلسطينيين في سوريا واحدة من أكثر الملفات إيلاماً وإثارة للجدل، بعد مرور سنوات طويلة من النزاع. التقارير الحقوقية الأخيرة تكشف أن أعدادهم تتجاوز خمسة آلاف شخص، معظمهم من أبناء المخيمات الفلسطينية المنتشرة في دمشق وريفها ومدن سورية أخرى. هذه الأرقام تسلط الضوء على مأساة إنسانية مستمرة، تُضاف إلى معاناة الفلسطينيين والسوريين على حد سواء.
أرقام مقلقة
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن عدد المعتقلين والمختفين قسرياً من الفلسطينيين بلغ أكثر من 5,370 حالة حتى نهاية عام 2024، بينهم ما يقارب 5,177 من الذكور مقابل 193 من الإناث. وتشير البيانات إلى أن نحو 80% من هؤلاء ينحدرون من المخيمات الفلسطينية، وفي مقدمتها مخيم اليرموك الذي تصدر القائمة بأكثر من ألف حالة اختفاء، يليه مخيم خان الشيح بحوالي 471 حالة، ثم مخيم العائدين في حمص بـ 340 حالة.
هذه الأرقام تكشف حجم المأساة التي يعيشها أهالي الضحايا، إذ لا يزال مصير أبنائهم مجهولاً منذ سنوات، وسط غياب أي بوادر جدية للكشف عن أماكن احتجازهم أو مصائرهم.
دعوات للكشف والمساءلة
المنظمات الحقوقية والإنسانية المتابعة لهذا الملف تواصل مطالبتها بالكشف الفوري عن مصير المختفين قسرياً، والسماح للجهات الدولية المستقلة، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بزيارة مراكز الاحتجاز. كما تطالب بضرورة محاسبة المتورطين في هذه الجرائم، وتقديم تعويضات عادلة لعائلات الضحايا، باعتبار أن ما جرى يشكل جريمة لا تسقط بالتقادم.
هذه الدعوات تُقابل بتأكيدات رسمية متكررة من مؤسسات الدولة حول الالتزام بملف المفقودين والمختفين، مع وعود بمتابعة القضية على المستويات كافة. وقد جرى التأكيد مؤخراً على أن هذه القضية تمثل أولوية وطنية لما تحمله من أبعاد إنسانية واجتماعية عميقة.
مأساة مستمرة منذ 2011
ملف الاختفاء القسري في سوريا لا يقتصر على الفلسطينيين وحدهم، إذ تشير بيانات حقوقية محلية إلى أن عدد السوريين والفلسطينيين المختفين والمعتقلين منذ عام 2011 تجاوز 181 ألف شخص، بينهم آلاف النساء والأطفال. وتؤكد هذه الإحصاءات أن غالبية الحالات تعود إلى اعتقالات تعسفية واختفاءات نفذتها أجهزة أمنية مختلفة خلال سنوات الحرب.
توضح التقارير أن هذه السياسة لم تقتصر على الاعتقال، بل ارتبطت بأنماط أخرى من الانتهاكات مثل التعذيب والحرمان من المحاكمة العادلة، وهو ما ترك آثاراً مدمرة على المجتمع السوري عامة، وعلى العائلات الفلسطينية بشكل خاص.
المخيمات الأكثر تضرراً
المخيمات الفلسطينية في سوريا مثل اليرموك وخان الشيح والعائدين، كانت الساحة الأبرز لهذه الانتهاكات. هذه المخيمات التي عانت من حصار طويل ودمار واسع خلال سنوات الحرب، دفعت ثمناً إضافياً مع فقدان آلاف الشبان والنساء الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً. وتزداد معاناة العائلات في ظل غياب أي معلومات دقيقة، أو حتى إقرار رسمي بأعداد المعتقلين والمختفين.
البعد الإنساني
القضية لم تعد مجرد أرقام في تقارير حقوقية، بل هي مأساة يومية تعيشها آلاف الأسر التي تبحث منذ سنوات عن أي خيط يقود لمعرفة مصير أحبائها. البعض فقد الأمل بعد سنوات من الانتظار، بينما يواصل آخرون طرق أبواب المنظمات والهيئات الدولية أملاً في الحصول على إجابة.
وفيما يتواصل هذا الملف الشائك بلا حل، تزداد المطالبات بتحقيق دولي مستقل، يضمن توثيق هذه الانتهاكات ومساءلة المسؤولين عنها، باعتبارها من الجرائم الأشد خطورة في العصر الحديث.