بين الحرب على "داعش" والمفاوضات مع دمشق... قسد في اختبار التوازن

2025.09.22 - 04:53
Facebook Share
طباعة

 
تعيش قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مرحلة بالغة التعقيد بين استمرار عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش" من جهة، وسعيها لتعزيز موقعها السياسي في المفاوضات مع الحكومة السورية من جهة أخرى. هذه المعادلة المتشابكة تضع "قسد" في قلب الجدل، إذ تتعرض لانتقادات واسعة بسبب سقوط مدنيين خلال عملياتها، في وقت تعمل فيه على توظيف تعاونها المتزايد مع التحالف الدولي كورقة ضغط سياسية.


عمليات ضد خلايا "داعش"
خلال الأشهر الماضية، نفذت خلايا تابعة لتنظيم "داعش" أكثر من مئة وخمسين هجوماً استهدفت مناطق متفرقة شمالي البلاد، وفق بيانات عسكرية. وردّت قوات "قسد" بتنفيذ عشرات العمليات النوعية بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي، شملت حملات تمشيط واسعة أسفرت عن اعتقال العشرات من عناصر التنظيم بينهم متزعمون بارزون.


لكن هذه العمليات لم تمر من دون خسائر، إذ أعلنت "قسد" سقوط عدد من مقاتليها بين قتيل وجريح، إلى جانب مقتل مدنيين خلال بعض الهجمات، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن طبيعة العمليات العسكرية واتهامات باستخدام الحرب على الإرهاب غطاءً لتعزيز النفوذ على حساب السكان المحليين.


توظيف الدعم الدولي
تسعى "قسد" إلى تكثيف تعاونها مع التحالف الدولي، وهو تعاون تعتبره بمثابة ضمانة لدورها في مستقبل المنطقة. فالدعم العسكري واللوجستي الغربي يمنحها مساحة أوسع للتحرك سياسياً، خصوصاً مع استمرار المفاوضات غير المباشرة بينها وبين الحكومة السورية. مراقبون يرون أن "قسد" تحاول استثمار هذا الدعم لتعزيز موقفها التفاوضي، ورفع سقف مطالبها المتعلقة بالاعتراف بدورها العسكري والإداري في شمال شرقي البلاد.


وفي الوقت نفسه، يطرح هذا المسار أسئلة حول أولويات "قسد": هل الهدف الأساسي هو القضاء على "داعش" واستقرار المنطقة، أم تعزيز موقعها السياسي والإداري في أي تسوية مقبلة؟ هذا الجدل يتصاعد مع كل عملية عسكرية تسقط خلالها أرواح مدنية، ما يضاعف الضغوط على قيادة "قسد".


تصعيد ميداني مع الجيش السوري
على خط موازٍ، شهد ريف حلب الشرقي في الآونة الأخيرة توتراً متصاعداً بين الجيش السوري و"قسد"، بعد تبادل القصف بين الطرفين. وزارة الدفاع السورية أعلنت أن "قسد" استهدفت عدداً من القرى بقذائف هاون، في خرق لاتفاق سابق تم توقيعه بين الجانبين يقضي بوقف إطلاق النار ودمج بعض المؤسسات المدنية والعسكرية ضمن إطار الدولة السورية.


هذا التصعيد أثار مخاوف من عودة الاشتباكات المباشرة، خاصة أن الاتفاق الذي وُقع في مارس الماضي نص على ضمان عودة المهجرين، ورفض مشاريع التقسيم، والعمل على الحفاظ على وحدة البلاد. غير أن التوترات الميدانية تعكس هشاشة التفاهمات القائمة، وتجعل مستقبل التعاون بين الطرفين رهناً بالتطورات العسكرية والسياسية المقبلة.


معركة سياسية مفتوحة
المرحلة الراهنة تكشف أن "قسد" تقف على خطين متوازيين: استمرار القتال ضد فلول "داعش"، والمناورة السياسية في مواجهة دمشق. هذا التداخل بين المسارين يضعها أمام اختبار صعب، إذ تحاول الحفاظ على صورتها كقوة محلية تحارب الإرهاب، وفي الوقت نفسه تضمن اعترافاً سياسياً بدورها ومكاسبها الميدانية.


في المقابل، تبقى الحكومة السورية متمسكة بمبدأ إعادة دمج جميع القوى المسلحة ضمن مؤسسات الدولة، وهو ما يضع حدوداً أمام أي محاولات لـ"قسد" لتكريس استقلالية موسعة. وبين ضغوط التحالف الدولي ورغبة دمشق في استعادة السيطرة الكاملة، تبدو المنطقة الشمالية على موعد مع تطورات جديدة قد تحدد شكل المرحلة المقبلة.


وبين العمليات العسكرية، والانتقادات المتصاعدة، والتوترات مع الجيش السوري، يجد السكان المحليون أنفسهم أمام واقع معقد تتداخل فيه الحسابات الأمنية والسياسية. ففي حين يترقب البعض نهاية حاسمة لتهديد "داعش"، يخشى آخرون أن تتحول المعركة إلى صراع نفوذ مفتوح يطيل أمد المعاناة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8