تشهد أسواق دمشق موجة غلاء حادة أثرت بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر، رغم توفر المواد الأساسية بكميات كافية. ارتفاع الأسعار المتواصل خلق ضغطاً ملحوظاً على المواطنين، ما دفع العديد منهم إلى تقليص مشترياتهم أو البحث عن بدائل أرخص، في وقت يؤكد فيه تجار أن الأسباب الرئيسية تكمن في تقلبات سعر الدولار، وارتفاع تكاليف الاستيراد، والضرائب المحلية.
جولات ميدانية في الأسواق أظهرت ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل ملموس. فارتفع سعر السكر إلى نحو عشرة آلاف ليرة للكيلوغرام، بينما تراوح سعر الأرز بين 12 و20 ألف ليرة حسب النوع. وارتفعت أسعار القهوة إلى أكثر من 200 ألف ليرة للكيلوغرام، والشاي إلى نحو 180 ألفاً، فيما شهدت اللحوم الحمراء ارتفاعاً كبيراً، إذ بلغ سعر لحم الخروف 220 ألف ليرة للكيلوغرام. وأوضح التجار أن هذا التفاوت في الأسعار مرتبط بشكل مباشر بعدم استقرار سعر الدولار، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل والاستيراد والضرائب، مما انعكس على أسعار جميع المواد الأساسية.
رغم ذلك، يشير مسؤول في وزارة التجارة الداخلية إلى أن حركة الأسواق في العاصمة السورية تشهد استقراراً نسبياً، مؤكداً أن جميع المواد الأساسية متوفرة وبكميات كافية، وأن لا سلعة مفقودة تتطلب البحث عن بدائل. وأوضح المسؤول أن الأسواق تشهد وفرة خاصة في المواد المتعلقة بالمونة وفترة المدارس، مع الحفاظ على جودة المنتجات والكميات المطلوبة للمستهلكين.
وأكد المسؤول أن وزارة التجارة الداخلية اتبعت منذ تحرير الأسواق منهج الاقتصاد الحر أو السوق المفتوح، حيث أصبح التسعير يعتمد على تكلفة المنتج ورأس مال التجار، مع وجود مرونة تسمح بالتنافس بين الفعاليات التجارية، ما يسهم في استقرار الأسعار نسبياً. وأضاف أن ارتفاع الأسعار في بعض الأحيان يعود إلى تقلبات سعر الدولار، ما يؤدي إلى تفاوت الأسعار بين المحال وفترات البيع المختلفة.
وأشار إلى أن الوزارة شكلت فرقاً ميدانية تتوجه إلى الأسواق المختلفة، بما يشمل الأفران، ومحال الخضار والفواكه، والأسماك، والألبان، واللحوم، للتأكد من الالتزام بالإجراءات النظامية. وأوضح أن الإعلان عن الأسعار وفواتير البيع النظامية يشكلان أساس الرقابة، بينما تشمل المخالفات عدم الإعلان عن الأسعار، أو البيع بسعر زائد، أو غياب الفاتورة النظامية، بالإضافة إلى مخالفات تتعلق بالمعايير الصحية ونظافة المحال.
كما أشار المسؤول إلى أن الوزارة لم تعد تصدر نشرة أسعار يومية كما كان يحدث سابقاً، وإنما تعتمد على ثلاث نشرات فقط تصدر بناءً على مسوحات ميدانية لتحديد أسعار المواد الأساسية، ما يسمح بمتابعة الأسعار ضمن حدود مقبولة. وأوضح أن لجنة مختصة تدرس جميع الضبوط التموينية القادمة من المحافظات لضمان العدالة في فرض الغرامات والعقوبات.
وبالنسبة للقدرة الشرائية، أشار المسؤول إلى تحسن طفيف بعد زيادة الرواتب في القطاع العام، لكنها لا تزال محدودة بالنسبة للعمال، مشدداً على جهود الوزارة والحكومة لتوفير فرص عمل وتحسين الدخل بما يرفع مستوى القدرة الشرائية للأسر. ولفت إلى أن تقديم الشكاوى يظل محاطاً بالسرية، داعياً المواطنين للإبلاغ عن أي مخالفة أو تجاوز لضمان حماية حقوق المستهلكين.
من جانبه، يرى خبير اقتصادي أن اعتماد السوق الحر في سورية منح التجار حرية تسعير المنتجات وفق تكلفة الإنتاج وهوامش الربح، ما أتاح تنوع الأسعار وتحفيز المنافسة، لكنه ساهم أيضاً في تضخم الأسعار بسرعة عند عدم استقرار سعر الدولار وارتفاع تكاليف الاستيراد. وأضاف أن الاقتصاد الحر يسمح بتوازن نسبي بين العرض والطلب، لكنه يحتاج إلى رقابة فعالة ودوريات مستمرة لحماية المستهلك من التجاوزات. ولفت إلى أن غياب نشرة أسعار يومية واعتماد نشرات محدودة يجعل مراقبة الأسعار تحدياً إضافياً، ويزيد الضغط على الأسر ذات الدخل المحدود، خصوصاً العمال والموظفين ذوي الرواتب الثابتة.
في الوقت الحالي، يظل المواطن السوري أمام واقع مزدوج: وفرة في المعروض من المواد الأساسية، مقابل أسعار مرتفعة تتغير باستمرار، ما يفرض على الأسر ضبط ميزانياتها والتكيف مع سوق متقلب يعتمد بشكل رئيسي على سعر الصرف وتكاليف الاستيراد والنقل. ورغم الجهود الرسمية لضبط الأسواق، يبقى المواطن الأكثر تضرراً من موجات الغلاء، ما يجعل قضية الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة من أبرز التحديات اليومية في دمشق.