بعد سنوات من الحرب والدمار، بدأت بعض دول الخليج العربي خطوات واسعة تجاه سوريا، مستندة إلى خبرتها الطويلة في مجالي التمويل والاستثمار، فضلاً عن شبكاتها الإغاثية والإنسانية. وقد تجاوز الحضور الخليجي في سوريا تقديم المساعدات الطارئة إلى تنفيذ مشاريع كبرى في البنية التحتية، والسكن، والخدمات الطبية، بهدف دعم إعادة إعمار البلاد وإعادة ربطها بمحيطها الاقتصادي الإقليمي.
المشاريع الطبية والخدمات الصحية
دشن مركز الملك سلمان للإغاثة، في 7 سبتمبر/أيلول الجاري، حزمة مساعدات طبية في الشمال السوري، تضمنت تجهيز 17 مستشفى بالأجهزة الطبية الأساسية، بينها 454 جهاز غسل كلى مع مستلزماته. وأطلق المركز مشروع "أمل التطوعي" في يناير/كانون الثاني الماضي، لتقديم خدمات طبية متخصصة تشمل جراحة الأطفال، وأمراض الأنف والأذن والحنجرة، وعمليات الأورام والأعصاب، وزراعة الأطراف الصناعية، ويستمر المشروع لمدة عام كامل.
كما أرسلت قطر قافلة طبية الأسبوع الماضي تحتوي على 90 طنًا من المعدات الطبية لأكثر من 50 مستشفى في مختلف المحافظات السورية، ضمن مشروع "جسور الشفاء والأمل 2" الذي يركز على تقديم العلاج الكيميائي والمناعي لمرضى السرطان. وكانت المرحلة الأولى من المشروع قد استفاد منها حوالي 3700 مريض. واستمرت قطر في دعم المناطق المحررة من خلال مستشفيات ميدانية وسيارات إسعاف، إضافة إلى الدعم خلال جائحة كورونا وزلزال فبراير 2023.
الإيواء وإعادة تأهيل المنازل
ولم يقتصر الدعم على الصحة، بل شمل الإسكان والترميم. فقد أطلق مركز الملك سلمان مشاريع لإعادة تأهيل 34 مدرسة في محافظات حلب وإدلب وحمص، بالإضافة إلى تشغيل 30 مخبزًا حكوميًا وإعادة تأهيل 29 خط إنتاج للخبز، واستحداث 13 خطًا جديدًا لتلبية احتياجات النازحين.
من جهتها، أطلقت مؤسسة قطر الخيرية مشاريع لترميم أكثر من 300 منزل في منطقة سهل الغاب بحماة، ضمن خطة لإعادة تأهيل 1500 منزل في مختلف المحافظات، كما افتتحت مدينة الأمل في ريف حلب الشمالي، والتي تضم 1400 شقة سكنية، إضافة إلى مدارس ومسجد ومركز صحي. وقامت قطر خلال السنوات الماضية بإنشاء حوالي 15 قرية سكنية في الشمال السوري، استفاد منها نحو 60 ألف سوري نازح ومهجر.
وأعلنت الإمارات مؤخرًا عن إطلاق مشاريع تنموية وخدمية وإغاثية بقيمة 8 ملايين درهم، تشمل صيانة المنازل والمدارس والمساجد، وحفر آبار المياه لتأمين مياه صالحة للشرب، وتجهيز المناطق المتضررة لاستقبال النازحين.
التعليم والتنمية الاجتماعية
في مجال التعليم والرعاية الاجتماعية، بدأ مركز الملك سلمان مشروع "أمان" لدعم الأيتام في الشمال السوري، بتقديم كفالات نقدية لألف طفل وتأمين المستلزمات الأساسية لأطفال آخرين، وتمكين أمهاتهم عبر التدريب المهني. وأطلق الهلال الأحمر القطري مشاريع لدعم الأيتام والأسر المتضررة، وشملت تقديم الغذاء، الملابس، الخدمات التعليمية والنفسية، إضافة إلى برامج تدريبية للأرامل والشباب، استفاد منها حوالي 800 شخص بينهم 480 امرأة.
الاستثمارات الكبرى والبنية التحتية
تجاوز الدعم الإغاثي ليشمل مشاريع استثمارية ضخمة في قطاعات الطاقة، الإسكان، النقل، والاتصالات. فقد قدم الصندوق السعودي للتنمية 1.65 مليون برميل نفط لدعم قطاع الطاقة، فيما وقعت شركات سعودية اتفاقات استثمارية بقيمة 6.4 مليارات دولار، منها 2.9 مليار دولار مخصصة للمشاريع العقارية والبنى التحتية، وإنشاء مصانع إسمنت، وتطوير قطاع الاتصالات.
كما وقعت شركات قطرية اتفاقات لتوسعة مطار دمشق الدولي، وإنشاء محطات كهرباء بقدرة 5000 ميغاواط بقيمة 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى تزويد سوريا بالغاز الطبيعي لمعالجة نقص الكهرباء. ووقعت موانئ دبي العالمية اتفاقية لتطوير ميناء طرطوس بقيمة 800 مليون دولار، تشمل إنشاء مناطق صناعية وحرة، ومحطات عبور للبضائع. كما أطلقت الإمارات مشاريع لإعادة تأهيل مصانع الإسمنت، بينما تعمل الكويت على إنشاء بوابة دمشق للإنتاج الفني والدرامي بتكلفة 1.5 مليار دولار، ومركز التجارة العالمي في دمشق بالشراكة مع مستثمرين سوريين.
الجسور الجوية والبرية
سعياً لتسريع وصول المساعدات، أطلقت السعودية وقطر والكويت جسورًا جوية وبرية لنقل المواد الغذائية، الطبية، والإيوائية. ففي يناير/كانون الثاني، وصلت 13 طائرة سعودية إلى دمشق محملة بمساعدات عاجلة، بينما سيّرت قطر 4 طائرات إلى غازي عنتاب، و3 قوافل برية مؤلفة من 150 شاحنة، فضلاً عن الطائرات القطرية التي وصلت في سبتمبر/أيلول محملة بـ1250 جهازًا طبيًا. أما الكويت، فقد أرسلت حوالي 30 طائرة إغاثية ضمن حملة "الكويت بجانبكم".