بينما تتصاعد أصوات القصف في غزة وتواصل إسرائيل التهديد بتوسيع عملياتها العسكرية حتى "تدمير كامل القطاع"، تتجه الأنظار إلى نيويورك حيث يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جمع قادة عرب حول طاولة واحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. اللقاء، المقرر غداً الثلاثاء، لا يأتي فقط كتحرك بروتوكولي، بل كاختبار جدي لقدرة واشنطن على رسم ملامح "اليوم التالي" للحرب، وإقناع الدول العربية بالانخراط في خطتها، في وقت يزداد فيه النزيف الإنساني والسياسي.
اللقاء وأبعاده
بحسب مصادر أميركية نقلها موقع أكسيوس، فإن البيت الأبيض وجّه دعوات رسمية إلى قادة عرب لحضور اجتماع مع ترامب، يسبق لقاؤه المنتظر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 سبتمبر الجاري. الهدف المعلن هو بحث سبل إنهاء الحرب في غزة ووضع تصور شامل لما بعد توقف العمليات، في ظل تنامي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية مقابل تهديدات إسرائيلية بضم الضفة الغربية.
خطط واشنطن.. من الحرب إلى الاستقرار
المصادر كشفت أن الإدارة الأميركية تسعى لحشد الدعم العربي لخطتها، والتي قد تتضمن إرسال قوات عربية أو دولية لتحل محل الجيش الإسرائيلي في غزة، وتفرض الاستقرار الأمني والسياسي هناك. غير أن هذه الفرضية تصطدم بعقبات سياسية وشعبية، إذ تخشى دول عربية أن يُنظر إليها كغطاء لاستمرار الاحتلال أو كبديل عن التزام إسرائيل بوقف الحرب.
الموقف العربي المنتظر
في المقابل، يتوقع أن ينقل القادة العرب لترامب مطالب واضحة بضرورة ممارسة ضغط مباشر على نتنياهو لوقف الحرب فوراً، والامتناع عن أي خطوات أحادية مثل ضم أجزاء من الضفة الغربية. فبالنسبة للعواصم العربية، لا يمكن لأي خطة سياسية أو أمنية أن تنجح إذا بقيت إسرائيل ماضية في سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة.
التصعيد الإسرائيلي مستمر
تتزامن هذه التحركات مع تكثيف إسرائيل عملياتها البرية داخل غزة، حيث تؤكد سيطرتها على نحو 70% من القطاع. نتنياهو أعلن صراحة أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية، بينما هدد وزير الدفاع يسرائيل كاتس بتحويل غزة إلى "شاهد قبر لحماس"، متجاهلين كل التحذيرات الدولية والأممية من كارثة إنسانية قد تكون غير مسبوقة.
غزة.. مأساة إنسانية مفتوحة
منذ 7 أكتوبر 2023، يعيش القطاع على وقع حرب مستمرة، تحت حصار خانق ونقص كارثي في الغذاء والدواء. وفي أغسطس الماضي، أعلنت الأمم المتحدة رسمياً دخول غزة في حالة مجاعة، وسط نزوح عشرات الآلاف من المدنيين من مدينة غزة التي تتعرض لقصف مكثف. هذه المأساة الإنسانية تضغط بدورها على أي جهود سياسية، وتجعل من قضية "اليوم التالي" أكثر استعجالاً وتعقيداً.
بهذا اللقاء المرتقب، تحاول واشنطن أن تضع نفسها في موقع صانع التسويات بعد عامين من حرب أنهكت غزة وخلقت معادلات جديدة في المنطقة. لكن ما بين تصلب الموقف الإسرائيلي، وحسابات القادة العرب، وضغط الرأي العام الدولي، يبدو أن ملامح "اليوم التالي" ما زالت غامضة، وأن مسار السلام يمر عبر حقول ألغام سياسية وعسكرية.