القصف الإسرائيلي الذي استهدف مدينة بنت جبيل الجنوبية لم يكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل جريمة مكتملة الأركان بحق المدنيين. خمسة شهداء، بينهم ثلاثة أطفال – سيلين، هادي، وأسيل – سقطوا مع والدهم، فيما الأم أصيبت بجراح خطيرة. مأساة تختصر سياسة الاحتلال الذي يضرب البيوت والأحياء الآمنة، غير آبه بحياة الأبرياء.
رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتبر أن دماء الضحايا، ومعهم الجنسية الأميركية التي يحملونها، تُحرج واشنطن والمجتمع الدولي، إذ لم يعد الصمت ممكناً أمام مشاهد قتل الأطفال على يد إسرائيل. بري وضع الجريمة أمام الأمم المتحدة، في لحظة تشهد فيها الناقورة اجتماعات تقنية بحضور أميركي، ما يعني أن المجتمع الدولي كان شاهداً على ما يحدث.
رئيس الحكومة نواف سلام شدد على أن ما وقع في بنت جبيل جريمة موصوفة ورسالة ترهيب موجهة إلى القرى الجنوبية، مؤكداً أن إسرائيل تمضي في سياسة انتهاك القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 1701، بلا رادع ولا محاسبة.
الغارة لم تكشف فقط وجه الاحتلال الدموي، وانما أظهرت أيضاً ازدواجية المعايير الغربية؛ فبينما تسارع بعض الدول إلى التنديد بأي رد فلسطيني أو لبناني، يُترك استهداف المدنيين في لبنان وغزة بلا عقاب.
ومع وجود ضحايا يحملون جوازات أميركية، يصبح الصمت أكثر فضيحة.
لبنان الرسمي يسعى اليوم إلى تدويل الجريمة عبر الأمم المتحدة، لكن التجربة تثبت أن الإدانات وحدها لا توقف القصف. الجنوب يعيش على وقع الطائرات والمدفعية، والمجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة. إسرائيل تواصل سياسة الأرض المحروقة، غير مبالية بقرارات الشرعية الدولية، ما يضع المنطقة كلها أمام خطر تصعيد واسع قد ينفجر في أي لحظة.
بنت جبيل لم تكن الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة إذا استمر غياب المحاسبة. كل يوم يتكرر المشهد: أطفال يُقتلون، بيوت تُدمر، ومجتمع دولي يتفرج. الحقيقة الواضحة أن الاحتلال الإسرائيلي هو التهديد الأكبر للسلم والأمن، وأي سلام لا يمر عبر إنهاء هذا الاحتلال سيبقى وهماً لا أكثر.