بعد سقوط النظام السوري في كانون الأول 2024، شنّت إسرائيل عملية عسكرية واسعة حملت اسم "سهم باشان"، دمّرت خلالها معظم القدرات العسكرية للجيش السوري، وخاصة منظومات الدفاع الجوي من طائرات ورادارات وصواريخ بعيدة المدى.
تاريخياً، كانت الدفاعات الجوية السورية تشكل عائقاً أمام أي تحركات جوية إسرائيلية في المنطقة، الأمر الذي جعل الأجواء السورية تمثل خطراً كبيراً على الطائرات الإسرائيلية، خصوصاً تلك المخصصة للتزود بالوقود. لكن تدمير هذه المنظومات غيّر المعادلة بشكل جذري، وأتاح لإسرائيل حرية أكبر في استخدام السماء السورية.
الأجواء السورية كمعبر إستراتيجي
منذ ذلك الحين، تحوّلت الأجواء السورية إلى ممر حيوي للعمليات الإسرائيلية، خاصة مع العمليات التي استهدفت منشآت إيرانية ونشاطات مرتبطة ببرنامجها النووي. فقد أصبح ممكناً تسيير الطائرات القتالية وطائرات التزود بالوقود بأمان نسبي، الأمر الذي كان شبه مستحيل في السابق.
كما استخدمت إسرائيل هذا المجال الجوي لشن عمليات دقيقة على أهداف خارج سوريا، متجنبة المرور عبر دول أخرى مثل الأردن والعراق، ما وفر لها حرية أكبر في التخطيط والتنفيذ.
البعد التفاوضي للممر الجوي
تتحدث تقارير متقاطعة عن أن إسرائيل تعمل حالياً على تحويل هذا "الممر الجوي" إلى بند رئيسي في أي اتفاق أمني محتمل مع سوريا. الهدف المعلن هو ضمان استمرار حرية الحركة الجوية الإسرائيلية عبر الأجواء السورية، بما يسمح بتنفيذ ضربات مستقبلية محتملة ضد إيران أو حلفائها.
هذا الطرح يثير إشكالات سياسية وقانونية عميقة، إذ أن السماح لدولة أجنبية بالتحكم بالمجال الجوي السوري يعني عملياً المساس بجوهر السيادة الوطنية. ويمنح إسرائيل موقعاً مميزاً كقوة إقليمية تفرض شروطها على محيطها.
التداعيات القانونية والسياسية
انتهاك الأجواء السورية يُعد خرقاً واضحاً لمبادئ السيادة المنصوص عليها في القانون الدولي، خصوصاً في اتفاقية شيكاغو للطيران المدني لعام 1944، إلى جانب الاتفاقيات الدولية الأخرى المتعلقة بحرمة الأقاليم.
ومع غياب رد عسكري سوري قادر على ردع هذه الانتهاكات، تتزايد الدعوات إلى تحرك دبلوماسي وقانوني عبر المؤسسات الدولية، سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو من خلال منظمة الطيران المدني الدولي.
تحوّل الأجواء السورية إلى معبر جوي لإسرائيل لا يقتصر على بعد عسكري بحت، بل يتجاوز ذلك إلى ورقة سياسية تفاوضية ذات أبعاد استراتيجية. فبينما تستفيد إسرائيل من غياب الدفاعات السورية لتوسيع عملياتها، تجد دمشق نفسها أمام معادلة صعبة: إمّا القبول بالأمر الواقع، أو محاولة استثماره كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية، وسط شكوك كبيرة في جدوى الموقف الدولي تجاه هذه الانتهاكات المستمرة.