في غرفة معتمة، تتدلى ستائر سوداء من السقف، ويكسر ضوء خافت العتمة لتبدأ أولى عروض مسرحية "15-16 سنة"، التي أنتجها مسرح الحرية بعد ثمانية أشهر من تهجير مخيم جنين. يقف أطفال المخيم على "خشبة" بديلة، ويقدمون حكايات طفولة مقطوعة بفعل النزوح والاحتلال، أمام أهاليهم النازحين.
وبالرغم من غياب البنية التحتية للمسرح، تمكن الأطفال من تقديم عرض يعكس الواقع الصعب الذي عاشوه، مستوحياً من حياتهم الشخصية وحكايات زملائهم الذين فقدوا أعمارهم المبكرة بفعل العنف الإسرائيلي.
المخرج محمود أبو عيطة، أحد أعضاء المسرح السابقين، أوضح أن العرض يعكس "حياة الأطفال في المخيم الذين سرقت منهم آلة القتل الإسرائيلية طفولتهم، حيث فقدت معظم العائلات أحد أطفالها على الأقل". واعتبر أن العمل المسرحي مع الأطفال هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية، مضيفاً أن "الأطفال يجب أن يتمسكوا بالحياة وأن يعرفوا أن فلسطين تحتاجهم أحياء، لا شهداء فقط".
مسرح الحرية كان على مدار سنوات منارة ثقافية في مخيم جنين، يعكس الهوية النضالية للمخيم. وقد تعرض المسرح خلال المواجهات السابقة لاعتداءات مباشرة من الاحتلال، شملت احتجاز طاقمه، إطلاق النار، وهدم جزء من ساحة المسرح، إضافة إلى تهجير السكان وتغيير الجغرافيا المحيطة بالمكان، مما انعكس على طبيعة الأعمال المسرحية وشخصيات الممثلين.
عبد الرحمن الزبيدي، رئيس الهيئة الإدارية للمسرح، وصف الدور الأساسي للمسرح بأنه "إثبات الرواية الفلسطينية عبر الفن، حيث تقدم الأعمال الفنية الواقعية لتوثيق ما يعايشه الناس في المخيم". وأكد أن العرض الأخير استخدم تسجيلات نعي حقيقية لشهداء من المخيم لتعزيز التجربة الواقعية للعمل المسرحي.
التحدي الأكبر أمام المسرح كان تجميع الأطفال والممثلين النازحين، الذين توزعوا على عدة قرى وبلدات في محافظة جنين، ما تطلب تنسيقاً وجهداً مضاعفاً لضمان التدريب والتحضير للعروض. ووفقاً لأبو عيطة، فإن أقرب ممثل يبعد عن موقع العرض المؤقت أربعة كيلومترات، فيما يعقد المخاطرة الأكبر في تمكين بعض المشاركين من السفر للعرض المزمع تقديمه في البرتغال، ضمن جولة أوروبية لاحقة.
إضافة إلى ذلك، يقدم مسرح الحرية جلسات "الدراما ثيرابي" لدعم أهالي المخيم والأطفال نفسياً، من خلال أعمال المحاكاة الفردية والواقعية للعيش في ظروف النزوح، في محاولة لتخفيف الغضب المتراكم والمشاعر السلبية، وتعزيز قدرة الأطفال والشباب على المشاركة الفاعلة في مجتمعهم.
مصطفى شتي، مدير المسرح، وصف المسرح بأنه "حركة سياسية اجتماعية ثقافية، وصوت للاجئين وسط الأزمات التي عانت منها القضية الفلسطينية"، مضيفاً أن المسرح يحاول اليوم استخدام تقنيات الإنترنت والمنصات الرقمية لمواجهة تحديات العمل الفني تحت الاحتلال والنزوح، وتحويل المادة الثقافية إلى أداة للتفكير والمقاومة.
العروض المسرحية الأخيرة ركزت على واقع أهالي المخيم النازحين، محاولة لإيصال صوتهم وحقهم في الحياة والكرامة، وإبراز دور الفن كأداة مقاومة وثقافة حية وسط التحديات اليومية التي يواجهها المجتمع الفلسطيني.