أزمة المصارف اللبنانية: معركة العقد الجماعي مستمرة

2025.09.20 - 06:17
Facebook Share
طباعة

 تستمر المفاوضات بين نقابة موظفي المصارف وجمعية المصارف اللبنانية في أجواء متوترة، وسط حالة من المماطلة التي تمارسها بعض المصارف، وغياب واضح للمشاركة المباشرة من قبل قيادات الجمعية. إذ يشارك ممثل عن الجمعية – محامٍ موكل – في جلسات الوساطة التي ترعاها وزارة العمل، في حين يغيب أي حضور مباشر من رئيس الجمعية أو أي عضو من مجلس الإدارة، ما يعكس توجّهًا واضحًا للتهرب من التفاوض الفعلي حول بنود العقد الجماعي المعمول به منذ عام 1974.


الجانب القانوني للمفاوضات يتركز على ما إذا كانت النقابة تمثل أغلبية الموظفين، وهو ما تستخدمه المصارف كذريعة لتأجيل أي نقاش حول مطالب الموظفين الأساسية، والتي تشمل تعديل الأجور، منحة التعليم، التعويضات، وتطوير البنى التحتية للخدمات الصحية والاستشفائية. ورغم تقديم النقابة عدة أوراق مطلبية تتضمن تنازلات محسوبة، إلا أن ردود الجمعية بقيت محدودة وغالبًا ما تركز على الشكل القانوني للتمثيل بدلاً من الجوهر.


النقابة تسعى لضمان حقوق الموظفين في ظل تفاوت الرواتب، حيث تشير بعض المعلومات إلى أن بعض المصارف لا تزال تدفع أقل من 500 دولار كحد أدنى، ما يثير الحاجة لتحديد حد أدنى موحّد للموظفين الجدد وأصحاب الخبرة، إضافة إلى رفع قيمة منحة التعليم المدرسية والجامعية لضمان تكافؤ الفرص. كما تشمل المطالب زيادة مساهمة المصارف في تغطية التكاليف الطبية والمعاينات خارج المستشفى، وضمان تسجيل الأجور الفعلية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يعكس الواقع المالي للموظف.


إلى جانب التحديات المادية، هناك بُعد استراتيجي للعقد الجماعي، إذ يعتبره النقابيون أداة لضمان الاستقرار الداخلي للقطاع المصرفي، إذ ينظّم العلاقة بين الإدارة والموظفين ويحدد الحقوق والواجبات بما يحمي مصالح العملاء والمودعين. من جهة أخرى، يبدو أن المصارف تسعى لإلغاء هذا العقد لصالح مرونة أكبر في التحكم بالموظفين، وهو ما يثير قلقًا من انعكاسات محتملة على أداء القطاع وقدرته على جذب الكفاءات.


وزارة العمل، من خلال وساطة وزير العمل، تبذل جهودًا لتقريب وجهات النظر، وقد تم تحديد جلسة إضافية في 23 أيلول لمواصلة التفاوض. ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى أن المصارف قد تسعى لتأجيل أي توافق نهائي حتى إقرار قوانين مالية جديدة تؤثر على الرسملة والتزاماتها تجاه الموظفين. النقابة من جانبها أكدت أنها ستنتظر قرار الوزارة، لكن حددت مهلة نهائية لنهاية تشرين الأول، ومع احتمال فشل الوساطة، من المرجح أن تلجأ إلى خطوات تصعيدية بما فيها الإضراب، وهو حق منصوص عليه قانونيًا.


تظهر الأزمة المستمرة بين المصارف والموظفين فشل الحوار الداخلي في القطاع المصرفي، حيث تتقاطع مصالح الإدارة مع حقوق العمال، ويبرز توجّه بعض المصارف نحو تقليص التزاماتها المالية على حساب الاستقرار الوظيفي. إن عدم وجود آليات واضحة للتفاوض المباشر يمثل خطرًا على الاستقرار المالي العام، ويزيد من احتمالات تصعيد الاحتجاجات العمالية. ولعل الأهم، أن استمرار هذه المماطلة قد يؤثر على ثقة العملاء والمودعين بالقطاع، ما يجعل الحاجة لإيجاد حلول متوازنة أكثر إلحاحًا. الخبراء يرون أن تدخل وزارة العمل بشكل فعّال، وتحديد سقف زمني ملزم لكلا الطرفين، يمكن أن يخفف من احتمالات التصعيد ويحمي القطاع من تأثيرات سلبية طويلة المدى.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1