منذ مطلع أيلول/سبتمبر 2025، يلفّ الغموض قضية اعتقال المحامي مالك محمود الجيوش، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "سيريتل"، الذي أوقفته السلطات في ظروف غير واضحة ودون مذكرة قضائية معلنة. وحتى اللحظة، ما يزال مصيره مجهولاً، فيما لم تصدر أي جهة رسمية بياناً يوضح أسباب اعتقاله أو مكان احتجازه، ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والجدل على المستويين القانوني والحقوقي.
الجيوش، المولود عام 1980، برز اسمه خلال السنوات الأخيرة داخل قطاع الاتصالات في سوريا، إذ تولّى منصب المستشار القانوني الأول لشركة "إم تي إن"، قبل أن ينتقل إلى "سيريتل"، حيث عُيّن في أواخر عام 2024 نائباً لرئيس مجلس إدارتها، في فترة حساسة شهدت محاولات لإعادة هيكلة واحدة من أكبر شركات الاتصالات في البلاد. ومن هنا، فإن اعتقاله لا يبدو حدثاً عابراً، بل يلامس ملفاً بالغ الحساسية يرتبط بالاقتصاد والسياسة معاً.
ظروف الاعتقال ومخاوف حقوقية
بحسب المعطيات المتوافرة، فإن عملية توقيف الجيوش تمت بشكل مفاجئ، ومن دون اتباع الإجراءات القانونية المعتادة، إذ لم يُسمح له بالتواصل مع عائلته، ولم يتمكّن من توكيل محامٍ يتابع ملفه. كما لم تُعلن أي جهة قضائية أو أمنية عن التهم الموجهة إليه، ما يجعل القضية محاطة بتكتم شديد.
هذا الوضع يثير تساؤلات كبيرة حول مدى احترام الأطر القانونية الناظمة لعمليات التوقيف، والتي تفرض على السلطات إبلاغ المعتقل بسبب توقيفه، وضمان حقه في الدفاع عن نفسه، وتقديمه أمام القضاء خلال مدة زمنية محددة. غياب هذه الإجراءات يضع القضية في خانة ما يوصف بالاعتقال التعسفي، وهو ما يمثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه سوريا منذ عقود.
تداعيات قانونية وسياسية
اعتقال شخصية بموقع الجيوش، وهو نائب رئيس لمجلس إدارة واحدة من أكبر شركات القطاع الخاص في سوريا، لا يقتصر على كونه قضية فردية، بل يتعداها ليعكس صورة عن آليات التعامل مع الكوادر الاقتصادية والإدارية في البلاد. فالاتصالات قطاع حيوي يرتبط مباشرة بحياة المواطنين وبالأمن القومي على حد سواء، وأي تغييرات أو تدخلات فيه تكون ذات أبعاد سياسية واقتصادية متداخلة.
ويخشى مراقبون أن يؤدي استمرار الغموض المحيط بالقضية إلى نتائج سلبية، أبرزها تقويض الثقة بين المجتمع وقطاع الأعمال من جهة، وبين المستثمرين والبيئة الاقتصادية المحلية من جهة أخرى. إذ قد يشعر العاملون في القطاع الخاص بانعدام الضمانات القانونية الكافية لحمايتهم في حال تعرضوا لمشكلات مرتبطة بتشابك المصالح.
قراءة في خلفيات المشهد
لا يمكن النظر إلى ملف مالك الجيوش بمعزل عن السياق السوري العام. فبعد سنوات الحرب والتحولات السياسية، يواجه الاقتصاد السوري تحديات ضخمة، أبرزها إعادة ترتيب القطاعات الحيوية مثل الاتصالات والطاقة والمصارف. اعتقال شخصية بارزة في قطاع استراتيجي قد يشير إلى صراع داخلي على النفوذ أو إلى محاولات لإعادة ضبط موازين القوى داخل هذا القطاع.
من جهة أخرى، تأتي هذه القضية في وقت تتصاعد فيه المطالب الحقوقية الدولية بضرورة تحسين أوضاع حقوق الإنسان في سوريا، والتزام المعايير القضائية النزيهة. استمرار الغموض وعدم الشفافية في مثل هذه الحالات قد يزيد من الضغوط على السلطات، سواء من منظمات المجتمع المدني المحلية أو من الهيئات الحقوقية الدولية.