في أول مشاركة لرئيس سوري منذ ستة عقود في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصف الرئيس أحمد الشرع الحدث بـ"المنعطف التاريخي"، مؤكدًا أن سوريا استعادت موقعها كجزء فاعل في النظام الدولي، وفق ما نقلت صحيفة "ملييت" التركية. وخلال سلسلة لقاءات مع خبراء في الشأن السوري، أطلق الشرع رسائل مباشرة إلى الداخل والخارج، أبرزها تحذيره من مستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، واحتمال لجوء تركيا إلى عمل عسكري إذا فشلت مسارات الاندماج.
سوريا بين الماضي والعودة إلى النظام الدولي
الشرع شدد على أن بلاده لم تعد تُصدّر المخدرات أو اللاجئين أو الجماعات المتطرفة، مشيرًا إلى تراجع تجارة المخدرات بنسبة 90%، وعودة نحو مليون لاجئ رغم غياب مشاريع إعادة الإعمار. واعتبر أن ذلك يعكس تحولًا جذريًا في صورة سوريا أمام المجتمع الدولي.
رسائل إلى إسرائيل: بين الحرب والاتفاق الأمني
في معرض حديثه عن المفاوضات الجارية بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر، أكد الشرع أن "الثقة بإسرائيل غير ممكنة"، لافتًا إلى أن قصف القصر الرئاسي وهيئة الأركان كان بمثابة إعلان حرب. لكنه أقرّ في الوقت ذاته بأن سوريا لا تملك خيارًا سوى الوصول إلى تفاهم أمني، يجري بحثه بوساطة أميركية وقد يوازي اتفاق فصل القوات عام 1974. ومع ذلك شدد: "هذا لا يعني تطبيعًا ولا انخراطًا في اتفاقيات إبراهيم".
ملف قسد: اللامركزية أم مسار الاندماج؟
رفض الشرع مطالب "قسد" بالحكم اللامركزي، موضحًا أن القانون رقم 107 يمنح أصلًا صلاحيات تصل إلى 90% من مطالبها. كما اعتبر أن طرح الفدرالية في الظروف الراهنة "مجرد مسميات لمشروع الانفصال". وأوضح أنه أبلغ قائد قسد مظلوم عبدي منذ البداية بأن التركيز على "حقوق الأكراد فقط" غير مقبول، وأن المبدأ الأساس هو المساواة بين جميع السوريين.
وكشف الشرع أن اتفاق 10 آذار/مارس برعاية أميركية – تركية كان فرصة جدية للحل، إلا أن خلافات داخلية في قسد وارتباطات مع حزب العمال الكردستاني حالت دون تنفيذه.
التحذير التركي: مهلة حتى نهاية العام
أخطر ما كشفه الشرع كان تحذيره من بقاء قسد على وضعها الحالي، معتبرًا أنها تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي في تركيا والعراق. وأشار إلى أن دمشق ساهمت سابقًا في إقناع أنقرة بتأجيل عملياتها العسكرية لإعطاء فرصة للتسوية السياسية، لكنّه أضاف محذرًا: "إذا لم يُنجز مسار الاندماج قبل نهاية كانون الأول/ديسمبر، فإن التدخل التركي العسكري قد يصبح مطروحًا".
رسائل الشرع تحمل أبعادًا متداخلة: تطمينات للمجتمع الدولي بأن سوريا لم تعد مصدر تهديد، رسائل تحذيرية لإسرائيل حول سقف العدوان، وضغوطًا غير مباشرة على قسد لتقديم تنازلات قبل أن تجد نفسها في مواجهة عملية عسكرية تركية جديدة. ومع أن الشرع أكد أن سوريا "تعرف كيف تحارب لكنها لم تعد تريد الحرب"، إلا أن مآلات المشهد تبقى رهينة لتوازن دقيق بين المفاوضات الجارية، وضغط الميدان الذي يلوّح بالتصعيد مع نهاية العام.