شهد مخيم أبو شوك للنازحين قرب مدينة الفاشر في شمال دارفور يوم الجمعة، هجومًا بطائرة مسيرة وصفته مصادر محلية بأنه “مسيّرة انتحارية”، استهدف مسجدًا أثناء تجمع للمدنيين، ما أسفر عن مقتل 75 شخصًا على الأقل وترك أثرًا كارثيًا على السكان المحليين. تأتي هذه المجزرة في سياق تصاعد العنف في دارفور، وسط تحذيرات متكررة من الأمم المتحدة بشأن تدهور الوضع الإنساني في السودان، الذي دخل عامه الثالث من الصراع المسلح، وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين داخليًا وخارجيًا.
تسلط هذه الحادثة الضوء على مأساة المدنيين الذين أصبحوا هدفًا مباشرًا للصراع، وتطرح أسئلة جدية حول دور المجتمع الدولي في حماية حقوق الإنسان وتقديم الدعم الإنساني الفوري للمتضررين.
وفق غرفة طوارئ المخيم، استهدفت الطائرة المسيرة مسجدًا في المخيم أثناء تجمع للنازحين. وتم انتشال الجثث من بين الحطام، حيث تصاعدت موجة الرعب والخوف بين المدنيين الذين يعيشون في المخيم منذ سنوات، هربًا من الصراع في مناطق أخرى من دارفور.
المخيم، الذي يستضيف آلاف الأشخاص، أصبح في السنوات الأخيرة هدفًا متكررًا للهجمات، وهو ما يعكس استهداف المدنيين بشكل متعمد في النزاعات المسلحة، بما يشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني.
الضحايا معظمهم من النساء والأطفال، فيما وصفت مصادر محلية المشهد بأنه “كارثي”، مع وجود نقص شديد في فرق الإسعاف والإغاثة نتيجة استمرار الحصار الأمني والقيود المفروضة على الوصول إلى المناطق المتضررة.
تصاعد العنف في دارفور
تأتي هذه المجزرة في وقت تشير فيه التقارير إلى زيادة واضحة في عمليات قتل المدنيين في شمال السودان وخصوصًا في دارفور. مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أصدر تقريرًا حديثًا أشار إلى مقتل ما لا يقل عن 3384 مدنيًا بين يناير ويونيو 2025، معظمهم في دارفور، في ظل تصاعد العنف على أساس عرقي وسياسي.
لي فونج، مسؤول مكتب المفوضية في السودان، أكد للصحفيين في جنيف:
> “نتلقى يوميًا المزيد من التقارير عن أهوال على الأرض، وهو ما يعكس تصاعد خطير للعنف ضد المدنيين”.
ويعكس هذا التصعيد استخدام العنف الممنهج ضد الفئات الضعيفة، بما في ذلك النازحين والمجتمعات القروية، وهو ما يزيد من تعقيد أي حلول سياسية أو أمنية للنزاع.
الأزمة الإنسانية والمحنة المستمرة:
الحرب في السودان أدت إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأكبر أزمة نزوح وجوع في العالم. نحو مليون شخص محاصرون في مدينة الفاشر والمخيمات المحيطة بها، محرومون من المساعدات الأساسية والخدمات الطبية والغذائية، ما جعل المدنيين يعيشون تحت تهديد دائم.
الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية حذرت مرارًا من خطر مجاعة واسعة النطاق، حيث يعاني النازحون من نقص الغذاء والمياه النظيفة، وتعرضهم المستمر لهجمات عنيفة، ما يفاقم الأزمات الصحية والاجتماعية.
كما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وضع المزيد من الضغوط على السكان، الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الدولية.
القوات المتورطة في هجمات دارفور، أبرزها قوات الدعم السريع، تُتهم بالمسؤولية عن العديد من المجازر ضد المدنيين. الصراع في المنطقة ليس فقط عسكريًا، بل يشمل حربًا موازية من خلال الحصار وقطع المساعدات الإنسانية، ما يعكس استراتيجية متعمدة لخلق حالة من الرعب والضغط على السكان المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن الصراع في دارفور يعود جذوره إلى توترات عرقية وسياسية طويلة الأمد، لكن الأحداث الأخيرة أظهرت تصاعد استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، بما يشكل تهديدًا مباشرًا للسلام والاستقرار في المنطقة.
دور المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية:
رغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة، يواجه المجتمع الدولي صعوبات في الوصول إلى المناطق الأكثر تضررًا بسبب قيود أمنية، وغياب آليات فعالة لحماية المدنيين. المفوضية السامية لحقوق الإنسان توثق الانتهاكات بشكل يومي، لكنها تواجه تحديات ضخمة في تنفيذ توصياتها، ما يزيد من معاناة النازحين ويؤكد ضعف الرد الدولي أمام الكارثة الإنسانية في دارفور.
المنظمات الإنسانية أكدت ضرورة تدخل عاجل لتقديم المساعدات الطارئة، حماية المدنيين، وإيجاد حلول دائمة للنزوح، لكن الأوضاع الأمنية والسياسية تعيق وصول هذه المساعدات بشكل كامل.
الهجوم على مخيم أبو شوك ليس مجرد حدث عابر، بل يمثل استمرارًا لمسلسل من الجرائم الإنسانية التي تهدد استقرار المنطقة. استمرار العنف يفاقم النزوح الداخلي، يزيد من معدلات الفقر والبطالة، ويعرض النساء والأطفال لأخطار جسيمة تشمل العنف الجنسي والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.
كما أن تكرار مثل هذه الأحداث يقلل من فرص إعادة الاستقرار السياسي في السودان، ويجعل أي جهود للمصالحة الوطنية أو السلام الإقليمي أكثر تعقيدًا.
قصف مخيم أبو شوك يسلط الضوء على مأساة دارفور المستمرة ويؤكد أن المدنيين هم الحلقة الأضعف في الصراع المسلح. مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين ونقص المساعدات الإنسانية، يزداد الضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته أمام كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم. حماية المدنيين، محاسبة المتورطين في المجازر، وضمان وصول المساعدات الإنسانية يجب أن تكون أولويات عاجلة قبل أن تتحول دارفور إلى رمز دائم للمعاناة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.