يبدو أن الساحة الدولية أمام مفترق حاسم اليوم، حيث يجتمع مجلس الأمن الدولي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك للتصويت على مشروع قرار يهدف إلى تمديد رفع العقوبات عن إيران. هذا التصويت لا يمثل مجرد إجراء شكلي، بل هو اختبار حقيقي لمصداقية المجتمع الدولي وقدرته على إدارة ملف نووي إقليمي حساس، بعد انتهاكات إيران المتكررة للاتفاق النووي لعام 2015. مع نفاد المهلة أمام الأطراف الدولية، فإن أي فشل في تبني القرار سيعيد تلقائياً عقوبات كانت مفروضة على طهران بين عامي 2006 و2010، ما يفتح الباب أمام تصعيد دبلوماسي واقتصادي قد يعيد المنطقة إلى دائرة التوتر.
من المقرر أن يصوّت أعضاء مجلس الأمن، الذين يبلغ عددهم 15 دولة، على القرار اليوم الساعة العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي (14:00 بتوقيت غرينتش). وأكدت مصادر دبلوماسية أن المشروع يحتاج للحصول على 9 أصوات موافقة على الأقل دون استخدام أي عضو لحق النقض (الفيتو). وفي حال فشل القرار، تعود العقوبات تلقائياً، ما يعني أن إيران ستواجه قيوداً اقتصادية صارمة ستطال قطاعها المالي والصناعي والطاقة النووية.
وكانت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا قد فَعّلت آلية «سناب باك» نهاية أغسطس الماضي، مستندةً إلى ما وصفوه بانتهاكات إيران الجسيمة للاتفاق النووي، لا سيما تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز الأغراض المدنية. ووفق مراقبين دبلوماسيين، فإن المشروع مرشح للرفض حتى قبل بدء التصويت، وسط انقسامات واضحة بين الدول الكبرى حول أفضلية التعامل مع إيران عبر الضغط الاقتصادي مقابل الحوار الدبلوماسي.
حتى في حال رفض مشروع القرار، يبقى أمام الدول الثلاث المبادرة مهلة حتى نهاية الأسبوع للتفاوض مع إيران على تنازلات قد تمنع دخول العقوبات حيّز التنفيذ. لكن المصادر تقول إن فرص تحقيق تقدم كبير في هذه المفاوضات ضعيفة، لا سيما مع تصعيد التوترات الإقليمية وإصرار طهران على استمرار برنامجها النووي. وفي حال تفعيل العقوبات، فإن الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني بالفعل من ضغوط مالية كبيرة، سيواجه تحديات جديدة، من بينها قيود على صادرات النفط والغاز، وتجفيف قنوات التمويل الدولي.
تأتي هذه التطورات قبل أسبوع من انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيجتمع نحو 150 من قادة العالم في نيويورك. هذه الاجتماعات ستتيح منصة دولية للضغط على إيران وإعادة بحث سبل حل النزاع النووي، لكنها قد تتحول أيضاً إلى ساحة تصعيد دبلوماسي في حال عدم التوصل إلى توافق بشأن العقوبات.
برنامج إيران النووي يشكل نقطة خلاف مستمرة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث فرض مجلس الأمن عقوبات دولية على طهران بين 2006 و2010 بسبب أنشطتها النووية المريبة. الاتفاق النووي لعام 2015 جاء ليخفف هذه العقوبات مقابل التزامات طهران بالشفافية وعدم تطوير أسلحة نووية، لكن التزامات إيران تعرضت لانتهاكات متعددة، ما دفع الدول الغربية لإعادة تفعيل آلية «سناب باك». التصعيد الأخير يعكس استمرار الخلافات العميقة بين إيران والدول الغربية، ويجعل أي حل طويل الأمد للملف النووي غير مضمون.
اليوم، يحمل مجلس الأمن مسؤولية تاريخية على عاتقه. فالقرار الذي سيُتخذ قد يحدد مستقبل الملف النووي الإيراني لعقود مقبلة، ويشكل اختباراً لقدرة المجتمع الدولي على فرض نظام دولي منضبط يحترم الالتزامات والمعاهدات. وفي حال فشل تمديد رفع العقوبات، فإن العودة التلقائية للعقوبات ستعيد المنطقة إلى حالة توتر اقتصادي وسياسي، مع احتمالات تصعيد قد تؤثر على الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.