تعتبر مخيمات وسجون شمال شرق سوريا أحد أبرز التحديات الأمنية في المنطقة، إذ تضم آلاف المقاتلين السابقين لتنظيم داعش وعائلاتهم في بيئة فوضوية تسهل تجدد التطرف. ضعف الرقابة والإهمال الإنساني يحول هذه المعسكرات إلى حواضن للتطرف، مما يضع الأمن الإقليمي والدولي على المحك ويثير تساؤلات حول قدرة التحالف الدولي نحو السيطرة على هذه البؤر الساخنة وفق تقارير مجلة وار أون ذا روكس المتخصصة في الأمن القومي.
حجم المعتقلين والمخاطر الأمنية:
تضم المنطقة نحو 50 ألف شخص موزعين على 27 سجناً ومركز احتجاز، بينهم مقاتلون مخضرمون وعائلاتهم. على مدار السنوات الماضية شهدت هذه المواقع محاولات هروب متعددة، نجح بعضها، ما أعاد مقاتلين إلى صفوف التنظيم وعزز قدراته العملياتية، بحسب تقارير القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية.
التخفيضات الأمريكية في التمويل البالغ 117 مليون دولار، إلى جانب دراسة تقليص الوجود العسكري من نحو ألفي جندي إلى 700، تزيد من هشاشة السيطرة على المخيمات، وتفتح الباب أمام تنظيم داعش لاستغلال أي فراغ أمني لإعادة تجنيد مقاتلين وتنفيذ هجمات جديدة.
هذا الأمر قد يطلق سلسلة تداعيات مزعزعة للاستقرار ليس في سوريا فقط، بل على مستوى الشرق الأوسط ويهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ظروف الحياة داخل المخيمات:
المعسكرات تحولت إلى حواضن للتطرف، حيث تواصل خلايا داعش التجنيد داخلياً، ولاسيما في ملحق الهول المخصص للأجانب.
يعيش آلاف النساء والأطفال في ظروف مأساوية تشمل مجاري مكشوفة، مساكن متدهورة، نقص الاحتياجات الأساسية، وانتشار العنف والاعتداءات الجنسية، بحسب تقارير منظمة أطباء بلا حدود والأمم المتحدة.
ويشكل الأطفال 60 بالمئة من سكان الهول و63 بالمئة من سكان روج، مما يجعلهم أكثر عرضة للتجنيد والتأثر بالتطرف الفكري. فقر الخدمات الأساسية، إلى جانب المعاملة القاسية والضغط النفسي، يعزز ولاء بعض المحتجزين للتنظيم ويزيد من احتمالية العودة إلى النشاطات الإرهابية عند أي فرصة للفرار أو ضعف السيطرة الأمنية.
عودة نشاط داعش:
شهد تنظيم داعش نشاطاً ملحوظاً منذ عام 2024، حيث نفذ نحو 700 هجوم تمكنت من اعتقال قيادات بارزة وضبط مخازن أسلحة، رغم بعض التراجع مطلع عام 2025، سجلت الهجمات نحو 14 عملية شهرياً بعد بدء الانسحاب الأمريكي في أبريل نيسان، ما يوضح أن داعش لم يختفِ، بل دخل مرحلة إعادة بناء جديدة تشمل تجنيد مقاتلين محليين وأجانب ورسم استراتيجية لشن هجمات متعددة.
يؤكد خبراء أن استمرار ضعف السيطرة الأمنية يشكل فرصة للتنظيم لإعادة بناء قدراته العملياتية وتوسيع نطاق نشاطه في شمال وشرق سوريا وربما في الدول المجاورة.
جهود إعادة الرعايا الأجانب:
تعتبر إعادة المعتقلين الأجانب إلى بلدانهم الحل الأكثر فاعلية لمنع التجنيد داخل المخيمات وإضعاف التنظيم.
حتى الآن أعادت 36 دولة جزءاً من رعاياها، بينما لم تبدأ 21 دولة العملية بعد. العراق تتصدر القائمة بإعادة نحو 25 ألف شخص أي ما يعادل 80 بالمئة من مواطنيها المحتجزين في الهول وروج، وفق تصريحات سابقة للحكومة العراقية.
دول أخرى أبدت تردداً أو تأخيراً في استعادة رعاياها، مما يزيد من احتمالات تجدد نشاط داعش واستغلاله للفراغ الأمني. المحللون يؤكدون أن أي تأخير في إعادة التأهيل أو الترحيل يزيد من الصدمات النفسية للأطفال والمراهقين، ويتيح لداعش استمرار تجنيد عناصره.
المخاطر الإنسانية والاستراتيجية:
الظروف المعيشية المأساوية في المخيمات تؤثر على الصحة النفسية والجسدية للأطفال والنساء، وتزيد من احتمالية ولاء بعض المحتجزين للتنظيم. السياسة المعتمدة لفصل الأطفال عن أمهاتهم عند بلوغ سن المراهقة ساهمت في أزمات نفسية شديدة دون أن تمنع ولاء بعضهم للتنظيم.
من الناحية الاستراتيجية، يشير الخبراء إلى أن أي تقليص إضافي للوجود العسكري الأمريكي سيزيد من ضعف السيطرة على هذه المواقع، بينما يؤدي استمرار الأزمة الإنسانية إلى زيادة ولاء بعض المعتقلين للتنظيم، مما يعيد إنتاج حلقة العنف والتطرف ويحول المخيمات إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن الإقليمي والعالمي.
السبيل إلى الحل:
يشدد الخبراء على أن تحسين ظروف الاحتجاز وممارسة ضغوط سياسية واقتصادية لتسريع إعادة المعتقلين يمثل السبيل الأكثر فاعلية لإغلاق مخيمي الهول وروج وحرمان داعش من خزّان بشري جاهز للتجنيد.
إعادة تأهيل الأطفال وتدريب العاملين المحليين على التعامل مع العائدين تعد خطوات أساسية للحد من تجدد التطرف.
يبقى الوقت عاملاً حاسماً، فكل تأخير في الترحيل أو التأهيل يزيد من تكلفة إعادة التأهيل ويجعل المخيمات أكثر عرضة للتحول إلى بؤر توتر دائمة.