تتصاعد في لبنان مخاوف من احتمالات تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة، وسط أجواء يغلب عليها التردد والتجاذب. النقاش الدائر لم يعد محصوراً بتقنيات الاقتراع أو التنظيم اللوجستي، بل تجاوز ذلك إلى التشكيك في مدى التزام السلطة بالمهل الدستورية، التحذيرات التي تخرج من شخصيات سياسية توحي بوجود مناخ عام يهيئ الأرضية لتأجيل محتمل، في وقت يزداد فيه الضغط الشعبي والدولي لإجراء الانتخابات ضمن وقتها المحدد.
تصريح البزري ومغزى التوقيت:
النائب عبد الرحمن البزري أطلق تحذيراً واضحاً من مخاطر التأخير أو التلاعب بالمواعيد الانتخابية، حديثه تضمن إشارات مباشرة نحو استمرار تبادل المسؤوليات بين الجهات المعنية قد يؤدي إلى ضرب الاستحقاق الديموقراطي المقبل، كما شدد على أن قانون الانتخاب الحالي مليء بالثغرات ويحتاج إلى تعديل، لكنه رفض أن يتحول هذا العيب إلى مبرر لتأجيل الاستحقاق.
طرحه يكشف عن إدراك عميق لخطورة استخدام القوانين كأداة لتعطيل المسار السياسي، ولاسيما في بلد يعيش حالة انهيار مؤسسي.
قانون محاصر بين الجمود والجدل:
النقاش حول قانون الانتخاب ليس جديداً، لكنه يكتسب اليوم بعداً أكثر حساسية القانون يتعرض لانتقادات واسعة بسبب توزيعه للمقاعد وآليات الاقتراع وضعف الرقابة على الإنفاق. القوى السياسية تجد نفسها أمام خيارين: إما المضي في الانتخابات وفق القانون الحالي مع وعود بالإصلاح لاحقاً، أو الدخول في متاهة تعديلات تستغرق وقتاً وقد تتحول ذريعة للتأجيل.
في كلا الحالتين يظل الخوف قائماً من استغلال الثغرات القانونية لتعزيز مكاسب ضيقة على حساب الاستحقاق نفسه.
صوت المغتربين: قوة مؤثرة ومعقدة:
ملف اقتراع المغتربين يفرض نفسه كأحد أكثر العناوين حساسية الأصوات الآتية من الخارج تحمل وزناً انتخابياً قد يغير توازن القوى، رغم العقبات اللوجستية والمالية والإدارية تجعل من تنظيم هذا الاقتراع تحدياً مضاعفاً.
في حال تعثر إقرار آليات واضحة، قد يُجبر آلاف الناخبين على العودة شخصياً للمشاركة، ما يرفع التكاليف ويعمق فجوة الثقة بين المغتربين والدولة. ورغم محاولات تشريع جديدة، إلا أن بطء الإجراءات يضع هذا الحق على حافة التهديد.
حكومة في اختبار الذاكرة القريبة:
أداء الحكومة في الانتخابات البلدية السابقة ما زال حاضراً في الذاكرة، حيث كشف عن ارتباك واضح في الإعداد والتنظيم، تكرار المشهد على مستوى الاستحقاق النيابي سيعني أزمة مضاعفة، حجم العملية أوسع وأكثر تعقيداً. التحدي هنا لا يرتبط فقط بالإدارة اللوجستية، بل يتصل أيضاً بضمان نزاهة العملية وإبعادها عن نفوذ المال السياسي والشبكات.
التأجيل كخطر استراتيجي:
أي تأجيل للانتخابات لا يمثل مجرد عثرة إجرائية، بل يعكس أزمة أعمق في مفهوم التداول السلمي للسلطة الخطوة ستعمق فقدان الثقة بين المجتمع والدولة، وتمنح القوى الحاكمة فرصة إضافية لتثبيت حضورها من دون محاسبة.
كما أن المجتمع الدولي، الذي يربط الدعم الاقتصادي بالإصلاحات، سينظر إلى أي تأجيل كإشارة سلبية تعرقل فرص الإنقاذ. بهذا المعنى، فإن أي تلاعب بالمواعيد لا يحمل فقط أبعاداً محلية، بل يضع لبنان في مواجهة ضغوط خارجية إضافية.
إصلاحات مؤجلة أم مسار إلزامي:
يرى خبراء أن الحل يكمن في الجمع بين أمرين متوازيين الأول هو الالتزام بالمهل الدستورية وعدم ترك أي مجال لتأجيل جديد.
باعتبارالانتخابات صمام أمان وحيد في ظل الانهيار القائم. الثاني يتمثل في إطلاق ورشة إصلاحية تعالج أوجه القصور في القانون، بدءاً من ضبط الإنفاق وتعزيز الشفافية وصولاً إلى تسهيل مشاركة المغتربين. ورغم تلك الإصلاحات قد لا تكتمل قبل الموعد المقبل، إلا أنها تضع الأساس لبناء عملية انتخابية أكثر صلابة مستقبلاً.
المشهد بين خيارين:
لبنان اليوم يقف أمام مساري. الأول يقوم على إجراء الانتخابات في وقتها حتى لو جرت وفق قانون ناقص، مع وعد بفتح باب الإصلاح بعد الاستحقاق. الثاني يفتح الباب أمام تأجيل جديد يقود إلى مرحلة سياسية أكثر تعقيداً. الخيار الأول يحافظ على دورة الحياة الديموقراطية ولو بحدها الأدنى، أما الثاني فيحمل أثماناً سياسية واقتصادية قد يصعب على البلد تحملها.
في النهاية، المسألة لم تعد نقاشاً حول ثغرات تقنية، بل اختباراً لقدرة الدولة على احترام تعهداتها تجاه مواطنيها والمجتمع الدولي.