بدأ وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، لبحث ملفين شائكين طالما أثارا جدلاً إقليمياً ودولياً: رفع العقوبات الدائمة المفروضة على سوريا، والتقدّم في المفاوضات الأمنية الجارية مع إسرائيل.
واشنطن محطة مفصلية بعد ربع قرن
موقع "أكسيوس" الأميركي كشف أنّ الزيارة الحالية هي الأولى من نوعها منذ عام 1999، حين زار وزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع العاصمة الأميركية لإجراء محادثات سلام مع إسرائيل. عودة دمشق إلى هذه الساحة بعد أكثر من 25 عاماً تعكس – وفق المراقبين – تحوّلاً في طبيعة الانخراط السوري مع واشنطن، خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
العقوبات على الطاولة: نهاية لـ"قيصر"؟
أحد أبرز محاور الزيارة يتمثل في ملف العقوبات الأميركية، ولا سيما "عقوبات قيصر" التي كبّلت الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية. السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أكّد أن لقاءً مرتقباً سيجمعه مع الشيباني في مبنى الكونغرس لبحث إمكانية رفع العقوبات بشكل دائم.
وبحسب غراهام، فإن دعم هذا المسار مشروط بانضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، إضافة إلى دفع عجلة التوصل إلى اتفاق أمني جديد مع إسرائيل.
لقاءات رفيعة المستوى
برنامج الزيارة يتضمن سلسلة من الاجتماعات مع مشرعين أميركيين، إضافة إلى لقاء مقرر مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يوم الجمعة المقبل، حيث ستُستكمل المناقشات حول مستقبل العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية الشائكة.
مفاوضات أمنية حساسة مع إسرائيل
الرئيس السوري أحمد الشرع كشف في تصريحات صحفية بدمشق أنّ المفاوضات الأمنية الجارية مع إسرائيل "قد تؤدي إلى نتائج ملموسة خلال الأيام المقبلة". وأشار إلى أنّ الاتفاق المرتقب يركّز على احترام وحدة الأراضي السورية ومجالها الجوي، مع خضوع الترتيبات لمراقبة الأمم المتحدة. كما شدّد على أنّ الحديث عن "سلام أو تطبيع" غير مطروح حالياً، مؤكداً أنّ واشنطن لم تمارس أي ضغوط مباشرة على دمشق في هذا الصدد.
الشرع أوضح أيضاً أنّ المباحثات كانت على وشك التتويج باتفاق نهائي في يوليو الماضي، لكن أحداث السويداء الأخيرة عطّلت التوصل إلى تفاهم. وأكّد أنه من المبكر بحث قضية هضبة الجولان، مشيراً إلى تناقض الممارسات الإسرائيلية مع الموقف الأميركي المعلن الداعي إلى سوريا موحّدة ومستقرة.
المقترح الإسرائيلي: منطقة عازلة وحظر طيران
وفق تسريبات "أكسيوس"، قدّمت إسرائيل مقترحاً مفصلاً لاتفاق أمني جديد، يتضمن إقامة منطقة منزوعة السلاح وحظر طيران في مساحة واسعة تمتد من جنوب غربي دمشق حتى الحدود السورية ـ الإسرائيلية.
المقترح يستند إلى نموذج اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، مع تقسيم المنطقة إلى ثلاث نطاقات أمنية متفاوتة، ومنع أي وجود عسكري ثقيل داخل العمق السوري، مقابل السماح بانتشار قوات شرطة وأمن داخلي فقط.
كما ينص الطرح الإسرائيلي على انسحاب تدريجي من بعض المناطق السورية التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، مع الإبقاء على موقع استراتيجي في قمة جبل الشيخ، وهو شرط ترى تل أبيب أنه غير قابل للتنازل.
سيناريوهات مفتوحة وتوقعات حذرة
المراقبون يرون أن نتائج زيارة الشيباني إلى واشنطن ستكون بمثابة اختبار لنوايا الإدارة الأميركية تجاه دمشق، وكذلك لمدى استعداد سوريا للتعاطي مع الترتيبات الأمنية الجديدة مع إسرائيل.
وبينما تترقب العواصم الإقليمية مسار هذه المفاوضات، تبقى الأسئلة الكبرى مطروحة: هل تنجح دمشق في كسر عزلة العقوبات الأميركية؟ وهل يمكن أن يفتح الاتفاق الأمني الباب أمام مسار سياسي مختلف في المنطقة؟