تتواصل تداعيات الأحداث الأمنية التي شهدتها السويداء منتصف تموز الماضي، حيث يواجه المدنيون المهجرون من المحافظة صعوبات متزايدة في العثور على مساكن بديلة، بعد أن لجأوا إلى مدارس حكومية في محافظة درعا كمراكز إيواء مؤقتة. يأتي هذا في ظل اقتراب موعد افتتاح العام الدراسي الجديد، المقرر في 21 من أيلول، ما يزيد من تعقيد الوضع ويضع السلطات المحلية أمام مسؤولية عاجلة لتأمين حلول سكنية مناسبة.
المدارس التي شغلها النازحون تحتاج إلى ترميم جزئي، تنظيف الصفوف، وطلاء الجدران استعدادًا لاستقبال الطلاب، إلا أن الجهات المعنية لم تتخذ حتى الآن أي إجراءات ملموسة لتأمين مساكن بديلة للمهجرين. ووفق مدير تربية درعا، محمد الكفري، يقطن النازحون نحو 52 مدرسة معظمها في ريف درعا الشرقي، حيث تم إرسال تقارير إلى وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث لتحديد مراكز بديلة، مع وجود دراسة جاهزة لترميم المدارس بالتعاون مع حملة تبرعات محلية.
إبلاغات المدارس للنازحين بدأت تصل بانتظام، إذ طالبت إدارة مدرسة المليحة الشرقية وطلاب مدرسة ثانوية داعل المهجرين بإخلاء المباني قبل بدء العام الدراسي، دون تقديم أي بدائل للسكن. وفي ظل ارتفاع تكاليف الإيجار في درعا، حيث تصل إلى 600 ألف ليرة شهريًا، يواجه النازحون مثل بشار الحمود وسمية العلي صعوبة في تأمين مساكن آمنة، خاصة أن معظمهم يعتمد على العمل الزراعي اليومي، الذي تقلص بشكل كبير بسبب نقص مياه الري وقلة الطلب على اليد العاملة.
وفي هذا السياق، اقترح بعض النازحين مثل عقاب الحمد استخدام الخيام كمساكن مؤقتة في محيط المشاريع الزراعية أو مراكز الإيواء، في خطوة قد تعتبر حلاً مؤقتًا إلى حين إيجاد حلول مستدامة.
رغم التحديات، تؤكد الحكومة أن الأولوية هي إعادة النازحين إلى قراهم في السويداء بعد تأهيل المنازل المتضررة، مع تعزيز قنوات التواصل بين الجهات الرسمية وفصائل السويداء لضمان العودة الآمنة وبناء جسور الثقة. وقد شدد محافظ السويداء، مصطفى البكور، على أن خطة شاملة لإعادة المهجرين قيد التنفيذ، بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية والهلال الأحمر السوري لتلبية الاحتياجات الأساسية.
الوضع في درعا يعكس مأزقًا مزدوجًا: من جهة هناك ضغط الوقت قبل بدء العام الدراسي، ومن جهة أخرى هناك أزمة سكنية هي الأكثر تعقيدًا بسبب عدد المهجرين الكبير وقلة الموارد. يبرز هنا خلل في التنسيق بين السلطات التعليمية والإدارية من جهة، وبين الجهات المكلفة بإدارة الأزمات ومراكز الإيواء من جهة أخرى، ما يجعل إعادة تأهيل المدارس قبل حلول موعد الدوام شبه مستحيلة دون تأمين بدائل.
علاوة على ذلك، استمرار بقاء النازحين في مدارسهم يشير إلى نقص استراتيجيات طويلة الأمد لإدارة الكوارث والتهجير الداخلي، حيث لم تُبنَ حتى الآن حلول مستدامة تضمن الكرامة والأمان للسكان المتضررين. الحلول المؤقتة، مثل توزيع الخيام أو الإقامة في مراكز مؤقتة، قد توفر مأوى، لكنها لا تعالج المشكلة الهيكلية المتعلقة بالسكن وفرص العمل وتوزيع الموارد.
بالمحصلة، فإن قدرة الحكومة على تنسيق العودة وإعادة تأهيل المدارس وإيجاد مساكن مناسبة، ستشكل اختبارًا حقيقيًا لكفاءتها في إدارة الأزمات الإنسانية، وفي بناء الثقة بين المواطنين والحكومة، خاصة في المناطق التي شهدت صراعات وتهجيرًا داخليًا كبيرًا.