أعلنت وزارة الداخلية السورية تكليف الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد فصيل «تجمع أحرار العرب»، بإدارة الملف الأمني في مركز مدينة السويداء جنوبي البلاد، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لإعادة ضبط المشهد الأمني في المحافظة المضطربة منذ أشهر.
وفي تسجيل مصوَّر نشره عبر صفحته على «فيسبوك» في 15 أيلول، قال عبد الباقي إن وزير الداخلية أنس خطاب أوكل إليه هذه المهمة، مؤكداً أنه يتابع أيضاً ملف المختطفين من أبناء السويداء على خلفية أحداث تموز الماضي. كما نفى وجود أي معتقلين من أبناء الطائفة الدرزية في سجون الدولة، داعياً الأهالي إلى تزويده بقوائم حول المختطفين المحتملين لمعالجة قضاياهم.
ولم يخلُ حديثه من انتقادات مباشرة للرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، إذ حمّله مسؤولية إشعال الأحداث الأخيرة و«نقض الاتفاقيات» مع الحكومة.
ازدواجية في القيادة الأمنية
رغم تكليف عبد الباقي، لا يزال العميد حسام الطحان على رأس عمله قائداً لقوى الأمن الداخلي في كامل محافظة السويداء. ما يعني أن المشهد الأمني في المدينة بات موزعاً بين جهاز رسمي تقليدي يقوده الطحان، ووجه محلي له حضور قوي بين الفصائل، هو عبد الباقي. هذا الترتيب يعكس، وفق مراقبين، محاولة الحكومة خلق توازن بين السلطة المركزية وبين القوى المحلية التي تفرض حضورها على الأرض.
من هو عبد الباقي؟
يُعرف سليمان عبد الباقي بأنه أحد أبرز قادة الفصائل في المحافظة، وكان وجهاً بارزاً في حراك ساحة «الكرامة» عام 2023 ضد النظام السابق. بعد سقوط بشار الأسد في كانون الأول 2024، برز كأحد الأصوات المؤيدة للحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، وهو ما أثار انقسامات داخل السويداء، خصوصاً مع الفصائل المقرّبة من الشيخ الهجري.
سبق أن كشف عبد الباقي عن تنسيق مع الشرع حين كان يقود «هيئة تحرير الشام» في إدلب، معتبراً أن ذلك التعاون ساهم في بناء أرضية سياسية وعسكرية مشتركة. ورغم مكانته المتنامية، واجه ثلاث محاولات اغتيال، اثنتان قبل سقوط النظام (2021 و2024) والثالثة في آذار 2025، ما يعكس حجم الجدل حول دوره داخل المحافظة.
خلفية الأزمة الدامية
اندلعت الأحداث الأخيرة في السويداء في آذار الماضي نتيجة عمليات خطف متبادل بين فصائل موالية للهجري وعشائر بدوية، ثم تطورت في تموز مع دخول قوات من وزارتي الداخلية والدفاع لفض النزاع. لكن التدخل الحكومي اصطدم بمواجهة مباشرة، وسط تقارير عن تجاوزات ارتكبتها القوات، ما أدى إلى انسحابها وتسليم الملف للفصائل.
وتدخلت إسرائيل حينها بشكل غير مباشر، ما زاد المشهد تعقيداً، وأسفر عن ارتكاب الفصائل المحلية انتهاكات ضد عائلات بدوية، لتبقى المحافظة منذ ذلك الحين في حالة انقسام شديد. اليوم تسيطر الحكومة على نحو 30 قرية في الريفين الشرقي والشمالي، بينما تهيمن الفصائل على بقية المحافظة بما فيها المركز.
قراءة تحليلية
تكليف عبد الباقي بالملف الأمني يمكن قراءته كخطوة مزدوجة: فمن جهة، هو محاولة من الحكومة لتوظيف شخصية محلية تحظى بشرعية شعبية في مواجهة نفوذ الشيخ حكمت الهجري، ومن جهة أخرى، هو إقرار بأن السويداء لم تعد قابلة للإدارة عبر القنوات الأمنية التقليدية وحدها.
ويعتقد مراقبون أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام صيغة «شراكة أمنية» جديدة بين الدولة والفصائل المحلية، لتفادي تكرار سيناريوهات المواجهة المباشرة التي أضعفت سلطة الحكومة في السابق. لكنها في المقابل قد تكرّس حالة من الازدواجية في القرار الأمني، بما يهدد بعودة التوترات في أي لحظة.