وسط أجواء مشحونة بالتوترات الإقليمية والدولية، أصدرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيانًا رسميًا توضح فيه موقفها من البيان الختامي للقمة الطارئة للدول العربية والإسلامية التي عُقدت في الدوحة أمس. البيان، الذي جاء بعد ساعات من اختتام القمة، أكد أن مشاركة إيران في الإجماع حول بيان القمة لا تعني بأي حال من الأحوال اعترافًا بالكيان الإسرائيلي، لا صراحةً ولا ضمنيًا، مشددًا على ثبات موقف طهران تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
إيران تحدد موقفها: المشاركة لا تعني الاعتراف
جاء البيان الإيراني ردًا على ما وصفته وزارة الخارجية بمحاولات بعض الأطراف لإضفاء طابع رسمي على الاعتراف بإسرائيل تحت غطاء القمم العربية. وأوضحت طهران أن مشاركتها في الإجماع حول البيان لم تكن سوى دعم للجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف العنف، وليس أي اعتراف بالكيان الإسرائيلي.
وأكدت طهران أن ما يسمى بـ "حل الدولتين" لن يشكل حلاً حقيقيًا ودائمًا للقضية الفلسطينية، معتبرة أن أي تطبيق لهذا الحل دون مشاركة كاملة وفاعلة من الشعب الفلسطيني سيكون ناقصًا ولن يعالج جذور النزاع. وعليه، شددت إيران على أن الحل الدائم الوحيد يكمن في إنشاء دولة ديمقراطية واحدة تشمل جميع الفلسطينيين، سواء في الأراضي المحتلة أو في الشتات، مع ضمان تمثيل شامل وعادل عبر استفتاء عام يقرر مصير فلسطين.
السياسة الأمريكية تحت المجهر
ولم يقتصر البيان على موقف إيران من الاعتراف بإسرائيل، بل تناول الدور الأمريكي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وأكدت طهران أن السياسات والإجراءات الأمريكية عمليًا دعمت استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، مشيرة إلى أن واشنطن لا يمكن اعتبارها طرفًا محايدًا أو موثوقًا في دفع عملية السلام، بل على العكس، فقد ساهمت في تعزيز الانقسام الفلسطيني وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وأشار البيان الإيراني إلى أن السياسات الأمريكية أدت إلى فقدان الثقة بين الأطراف الفلسطينية، وجعلت أي حل تفاوضي قائم على مبادئ العدالة صعب التحقيق، وهو ما يضعف فرص التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة.
تقدير الجهود الإقليمية: قطر ومصر في صدارة الوساطات
رغم الانتقادات للسياسات الأمريكية، أعربت إيران عن تقديرها للجهود القطرية والمصرية في محاولة التوصل إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار. وشدد البيان على أهمية هذه الوساطات الإقليمية، لكنها أكدت أن الجهود وحدها لا تكفي، بل يجب أن تواكبها إجراءات عملية تضمن حقوق الفلسطينيين الأساسية.
وأضافت إيران أن أي حلول جزئية أو مؤقتة لن تحقق السلام الدائم، وأن السلام العادل لا يمكن أن يقوم على تجاهل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين، بما في ذلك الحق في تقرير المصير الكامل.
رؤية إيرانية للحل الشامل
كرر البيان أن الحل النهائي يجب أن يكون فلسطينيًا بالكامل، بعيدًا عن أي ضغوط خارجية أو تدخلات تفرض خيارات مسبقة على الشعب الفلسطيني. وأكدت إيران أن المبادرات التي لا تمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير الكامل لن تؤدي إلا إلى استمرار النزاع وتفاقم الانقسامات الداخلية.
وفيما يخص مستقبل حل الدولتين، شددت إيران على أن المسار الديمقراطي الشامل، عبر استفتاء عام يشارك فيه كل الفلسطينيين، هو الطريق الوحيد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان تمثيل عادل لجميع الفلسطينيين، بما في ذلك الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل سكان الأرض الفلسطينية.
تداعيات التصريحات الإيرانية على المنطقة
تصريحات إيران الأخيرة تحمل رسائل واضحة لكل الأطراف الدولية والإقليمية: أولًا، رفض أي تفسيرات ضمنية للاعتراف بإسرائيل، ثانيًا، انتقاد الدور الأمريكي ورفض اعتبارها وسيطًا نزيهًا، وثالثًا، التأكيد على الحل الشامل والديمقراطي للشعب الفلسطيني.
ويطرح هذا البيان تساؤلات كبيرة حول فعالية أي قمة عربية أو جهود دولية في ظل التباين بين مواقف الأطراف الإقليمية والدولية. هل يمكن لمبادرات السلام الحالية أن تتقدم دون إعادة النظر في دور الولايات المتحدة أو الأخذ بمطالب إيران؟ أم أن المنطقة ستظل أسيرة السياسات الخارجية والانقسامات الداخلية الفلسطينية؟
احتمالات المستقبل ومسار الأزمة
مع استمرار الاحتلال وتصاعد موجات العنف، تبدو الحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيات السلام أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فالتصريحات الإيرانية تشير إلى أن أي اتفاق جزئي أو تسوية لا تشمل تمثيلًا كاملًا للفلسطينيين ستفشل كما فشلت المبادرات السابقة.
وفي الوقت نفسه، يظل الدور الإقليمي، لاسيما قطر ومصر، محوريًا في التهدئة ووقف التصعيد، لكن دون دعم دولي نزيه وشامل، يبقى السؤال: هل ستتمكن هذه الوساطات من إحداث أي تغيير جوهري في الواقع الفلسطيني؟