خطة عباس–سلام: نزع السلاح وتهجير المخيمات

2025.09.15 - 02:47
Facebook Share
طباعة

 يعمل فريق رئيس حكومة تصريف الأعمال نواف سلام مع قيادة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بوتيرة متسارعة على مشروع جديد لإعادة ترتيب الوجود الفلسطيني في لبنان، بمقاربة تختلف جوهرياً عن الواقع السائد في المخيمات. ورغم أن سكان المخيمات يعانون ظروفاً إنسانية صعبة، يرى مراقبون أن ما يجري لا يهدف إلى تحسين أوضاعهم بقدر ما يهدف إلى تفريغ حضورهم وتدشين مرحلة هجرة واسعة قد تنهي تدريجياً ذاكرة اللاجئين في لبنان.

يمكن قراءة ما يجري في مسارين متلازمين. المسار الأول يرتبط بمراكز القرار في رام الله؛ حيث يراهن فريق محمود عباس على استثمار الحرب الإقليمية لتثبيت شريحة ضيّقة من أطر السلطة ومن حولها كوريث سياسي ومؤسساتي لما تبقى من منظومة السلطة. في هذا الإطار، يعمل هؤلاء عملياً على تنظيم «تركة السلطة» لصالح دوائر قريبة من Abbas، مع تحضير قواعد سياسية وأمنية تضمن استمرار نفوذ تلك الدوائر في المرحلة المقبلة.

المسار الثاني يضم فريقاً لبنانياً ينسّق مع المحاور الإقليمية (أميركية–سعودية–إسرائيلية) لتصنيف اللاجئ الفلسطيني في لبنان كـ«عبء» يجب التخفيف منه، عبر تفكيك التكوينات الاجتماعية والسكنية التي تبقي اللاجئين كتجمّع مدني وسياسي مستقل نسبياً. هذا الفريق يرى في إعادة توزيع السكان ومحو شكل المخيمات وسيلة لإضعاف المرجعية الفلسطينية خارج الأرض المحتلة.

نزع السلاح ولو بالقوة
مصادر مطلعة تشير إلى أن مشروع نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان يسير بتنسيق بين رام الله وبيروت، مع دعم ضمني أو علني من قوى لبنانية متعددة. عملياً، جرت خطوات ميدانية أولية تمثّلت بتجميع كميات من الأسلحة لدى مجموعات مرتبطة بـ«فتح» وأجهزة السلطة، لكن هذه التسليمات اعتبرها خبراء عسكريون رمزية إلى حد كبير، إذ لم تكن سوى أسلحة «خارج الخدمة» لا تمثل خطراً إستراتيجياً فعلياً على إسرائيل أو على توازنات الشمال.

غير أن الأهمية السياسية لهذه الخطوات تكمن في كونها مدخلاً لمطالبة باقي الفصائل بتسليم أسلحتها أو مواجهة تبعات قانونية وأمنية صارمة. وقد سرعان ما تحوّل النقاش لدى قيادات رام الله وبيروت إلى كيفية محاصرة فصائل المقاومة النشطة، وعلى رأسها حركة «حماس»، بما يخلق ضغطاً سياسياً وأمنياً على هذه الفصائل في المخيمات.

اجتماع السراي الكبير بين ممثل سلام، السفير رامز دمشقية، وقيادة «حماس» في لبنان أعاد هذه الخلافات إلى الواجهة؛ حيث طالب دمشقية «حماس» بتسليم ما لديها من سلاح للجيش اللبناني خلال أسرع وقت. رد وفد «حماس» كان مباشراً: ملف السلاح لا يخص تنظيماً بعينه بل يشمل جميع الفصائل، وأي مبادرة يجب أن تكون شاملة وتشمل أطرافاً ليست منضوية في منظمة التحرير. انتهى اللقاء باتفاق على عقد اجتماع موسّع لمواصلة النقاش، لكن دون التوصل إلى آليات تطبيقية واضحة.

بنود المشروع الثمانية
المشروع الذي بات يطرح على طاولة تنسيق إقليمي–محلي يتضمن ثمانية محاور رئيسية، تُكشِف عن طموح واسع لتغيير التركيبة السكانية والسياسية للمخيمات، وهي كما يلي:

خطة شاملة لنزع سلاح الفصائل واعتبار كل من يصرّ على حمل السلاح خارج إطار الدولة «مخالِفاً للقانون» ومطلوباً للأنظمة القضائية.

إعادة تشكيل قوة أمنية تابعة لسلطة رام الله تعمل بالتنسيق مع الجيش اللبناني لتنفيذ عمليات نزع السلاح بالقوة إذا لزم الأمر.

ربط أية مساعدات ومشروعات خدمية (مالية، تربوية، صحية) بتقيد سكان المخيمات بمشروع نزع السلاح، مع استبعاد الرافضين من الاستفادة.

تنفيذ عملية «تنقية» للمخيمات من غير الفلسطينيين وفتح دائرة ملاحقة أقسى لكل المعارضين، بما يشمل توصيفات أمنية للفاعلين الإسلاميين المصنّفين في قوائم الإرهاب.

تزويد الأجهزة اللبنانية بمعلومات أمنية عن الفلسطينيين الرافضين للنهج الجديد، بما في ذلك مجموعات لها علاقات مع «حزب الله» أو فصائل مقاومة أخرى.

تعاون أوروبي–أميركي لتشجيع فئة مختارة من اللاجئين على طلب لجوء إنساني مُنسّق، مع برامج خروج تقدّر بحوالى مئة ألف شخص (نحو 40% من المقيمين حالياً) عبر غربلة وقوائم مفصّلة.

تسهيلات إدارية واقتصادية لمن يحظى بالتوافق مع المشروع: إقامة دائمة لمن يتزوج من لبناني، وتسهيلات للمتعاملين برأس المال من اللاجئين، مع استثناء واضح لمنح الجنسية في المدى المنظور.

حوافز مالية للانتقال إلى السكن خارج المخيمات، ما يُتوقع أن يقود إلى تراجع كثافة المخيمات وإخلائها تدريجياً، تمهيداً لتحويل أراضيها إلى مشاريع عقارية أو تجارية تابعة للدولة.

خلفية التنفيذ والدعم الخارجي
مصادر معنية تؤكد أن تنفيذ هذه الخطة لا يمكن أن يحدث دون دعم جهات دولية وإقليمية قوية؛ إسرائيل على استعداد لتصعيد العمل العسكري ضد أي فصيل مسلّح في المخيمات، والسلطة في رام الله تشجّع الإجراءات ضد الفصائل، فيما تحث بعض عواصم غربية على برامج لتهجير مزدوج (ترغيب ورفض). كما يُطلب من الجيش اللبناني تشديد المراقبة على مداخل ومخارج المخيمات وتوقيف المطلوبين، ما يضع المؤسسة العسكرية اللبنانية في حالة اشتباك سياسي وأمني محتمَل.

خطر الدم والتورط
الوقائع تشير إلى أن فريق رام الله–بيروت لا يستبعد خيار المواجهة المسلحة مع المجموعات الرافضة، شريطة توفر غطاء ودعم من الأجهزة الأمنية اللبنانية ومصادقة خارجية. المشهد يطرح سؤالاً جوهرياً: هل سيقبل أصحاب القرار بأن يسفك دم فلسطيني داخليّاً في سبيل إعادة تركيب المشهد السياسي، أم أن ثمن هذا المشروع سيكون باهظاً ينقلب على من يطرحونه؟

في نهاية المطاف، تبدو الرهانات كبيرة: إما مشروع لإعادة ترتيب الوجود الفلسطيني على مقاس محاور إقليمية، أو انفجار اجتماعي وسياسي قد يقود إلى اشتباكات داخلية لا تحمد عقباها. وفي كلا الحالتين، فإن من يدير هذا الملف اليوم يتحمّل مسؤولية تاريخية وأخلاقية تجاه مستقبل اللاجئين وكرامة وجودهم.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 9