كواليس عملية شديدة السرية تُعيد الشرق الأوسط إلى حافة الانفجار

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.09.15 - 01:35
Facebook Share
طباعة

كشف تحقيق استقصائي نشرته قناة إسرائيلية تفاصيل داخلية عن الاجتماعات والقرارات التي سبقت مراحل التصعيد العسكري التي انطلقت فجر 13 يونيو، وبحسب المحاضر السرية فقد لم تكن مجرد ضربات انتقامية بل حملة مُعدّة بأهداف استراتيجية شاملة: تعطيل برنامج إيران النووي، نزع عناصر القيادة، وزعزعة استقرار النظام، وصولاً إلى محاولة دفع سكان طهران إلى موجات نزوح مؤقتة.

ماذا قرّر القادة؟


عقد المجلس الوزاري الأمني المصغر جلسة طارئة وسرية في 12 يونيو داخل مخبأ في تلال القدس، في أجواء اتسمت بالسرعة والحرجة. الجلسة استدعت حضور قادة الأجهزة الأمنية وكبار الوزراء المعنيين، وتمت مناقشة خيارات العمل العسكري والاستخباري بعد عرض تقييمات ميدانية ومعلومات استخباراتية حساسة. انتهت الجلسة بمخرجات واضحة وبموافقة بالإجماع على الانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ، ما يعكس حالة إجماع نادرة على مستوى القمة السياسية والأمنية في البلاد حول الحاجة إلى تحرك فوري وحاسم.

صاغ رئيس الوزراء قرار التحرك بلغة وجودية حادة، مؤكدا أن التأجيل قد يفرض على الدولة مواجهة واقع استراتيجي لا رجعة فيه، إذ تحدث عن إمكانية وصول خصم متقدم إلى قدرات نووية خلال سنوات قليلة إن لم تُتخذ خطوات عاجلة. هذا الخطاب لم يكن مجرد تبرير عاطفي بل جاء مدعوماً بعروض استخبارية تُظهر وتيرة تقدمٍ في بعض جوانب البرنامج النووي المُرَصَد، ما حوّل قرار المواجهة إلى ما يُعرضه القادة على أنه خيار بقاء وليس خيار سياسة عسكرية اعتيادية.

تحدد نطاق الأهداف بشكل واضح وحاسم: منشآت أساسية في برنامج إيران النووي مثل نطنز وفوردو، وقامات علمية تُعتبر محورية في تطوير القدرات النووية والصاروخية، بالإضافة إلى شبكات القيادة والسيطرة التي تنظم الاستجابة العسكرية والسياسية. كما شملت خارطة الأهداف بعض البنى العسكرية الحساسة التي تُستخدم في إنتاج ونشر الصواريخ بعيدة المدى، بهدف إضعاف قدرات الردع والرد الإقليمي لطهران على حد سواء.

تطرقت المداولات إلى عنصر لوجستي وتقني بالغ الحساسية: حاجة أو رهان على تسهيلات أو مشاركة أميركية، خصوصاً عبر استخدام قنابل خارقة للتحصينات قادرة على اختراق مواقع مثل «فوردو» المدفونة تحت صخور شديدة المقاومة، أو عبر طائرات تزويد بالوقود لتمكين ضربات جوية بعيدة المدى. تُظهر المحاضر ضغوطاً دبلوماسية وعسكرية مارستها قيادة تل أبيب تجاه واشنطن، في محاولة لتأمين غطاء لوجستي أو موافقة صريحة على استخدام وسائل قد تكون حاسمة لنجاح ضربات محددة.

لم تقتصر الخطط على أبعاد عسكرية بحتة، بل شملت اعتبارات نفسية واستراتيجية واسعة النطاق؛ فقد عُرضت سيناريوهات تضغط على النظام الإيراني بتأثير على المدنيين والبنى التحتية الحيوية. وجدت في الجلسة مقترحات تتراوح بين استهداف مرافق اقتصادية أو طاقية أو حتى التفكير في عمليات مؤقتة لإجلاء سكان محددين كوسيلة لتقليل الخسائر المدنية أو لخلق حالة ضغط معنوي ونفسي داخل المدن المستهدفة. هذه المقترحات أثارت نقاشاً حاداً حول الشرعية الأخلاقية والآثار الإنسانية والسياسية المحتملة لتوجيه ضغوط من هذا النوع.

على ضوء هذه النقاشات، بدا القرار المتخذ ثمرة موازنة دقيقة بين الرغبة في تقييد تقدم الخصم النووي وبين مخاطر توسيع المواجهة إلى نطاق إقليمي أوسع. المداولات بين الوزراء والقيادات العسكرية لم تغفل احتمالات ردود فعل عنيفة أو تحملات كبيرة، لكنها أيضاً عبّرت عن قناعة لدى صُنَّاع القرار بأن الفرصة للحمْي قد تكون محدودة زمنياً، مما دفعهم إلى اعتماد خيار ذي تكلفة عالية لكنه، في تقديرهم، أقل خطراً من السماح باستمرار التزايد في قدرات الخصم.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، يمكن قراءة قرار 12 يونيو على أنه لحظة فاصلة في علاقة الدولة بخياراتها الأمنية: انتقال من مرحلة الاحتواء والتعطيل إلى مرحلة السعي لتحقيق تأثير استراتيجي جذري — مع إدراك كامل للتبعات السياسية والإنسانية التي قد تفرض نفسها لاحقاً على ساحة صعبة ومعقدة.

 

استراتيجية «تدمير القدرة» أم «إسقاط النظام»؟

المحاضر تكشف أن المبرر الرسمي كان منع إيران من امتلاك سلاح نووي على المدى البعيد، لكن التفاصيل تُظهر أن الأهداف تعدت ذلك لتشمل ضرب صانعي القرار والعلماء الرئيسيين ومحاولة إضعاف قدرة النظام على الرد بإنتاجية طويلة الأمد. الحديث عن «إضعاف النظام» و«دفع المدنيين إلى النزوح» يشي بأن الرهان كان على ضربة تخلق ضغطاً داخلياً كبيراً في طهران إلى جانب الضربات العسكرية المباشرة.

الرهان على واشنطن: حقيقة أم أمنية مُفتعلة؟

المحاضر تُبرز اعتماداً واضحاً على مشاركة أو تسهيلات أمريكية — من قنابل خارقة للتحصينات إلى طائرات تزويد جوي — وهو ما يطرح سؤالين أساسيين: هل كانت تل أبيب تعتمد على قرار أميركي حاسم أم أنها سعَت إلى خلق واقع جديد يدفع واشنطن إلى التحالف؟ النصوص توحي بأن نتنياهو ووزارته سعوا لضمان غطاء ولوجستي أميركي أو على الأقل تسهيلات حاسمة للعمليات بعيدة المدى.

تبعات العمليات والواقع الميداني المبكر

بحسب المحاضر، نجحت الضربات الافتتاحية في تعطيل أجزاء من الدفاعات الإيرانية واستهداف منصات إطلاق صواريخ وعلماء نوويين، لكنها أيضاً أدت إلى تبادل محدود للصواريخ والصفارات داخل إسرائيل. المديرين العسكريين وصفوا البداية بـ«إنجازات استثنائية»، بينما بدأت أصوات في المؤسسة الامنية تدعو لاحقاً لبحث إنهاء العمليات قبل أن تتحول المواجهة إلى حرب أوسع — ما أثار توتراً بين الحكومة والقيادة العسكرية.

أخطار توسيع الحرب وقراءة سيناريوهات الردّ الإيراني

المحاضر نفسها تنبّه إلى سيناريو محفوف بالمخاطر: احتفاظ إيران بمواد مخصبة كافية، وإمكانية إطلاق مئات الصواريخ في الأيام الأولى، بالإضافة إلى قدرة طهران على الاستمرار في حرب اصطفاف واستنزاف. كذلك تمت الإشارة إلى تدمير منصات إطلاق وتعطيل شبكات — ما قد يطيح بتوازنات الردع؛ إذ ستجد إسرائيل نفسها أمام خيار إما توسيع الضربات أو قبول حلول دبلوماسية تحت ضغط تكاليف باهظة.

السياسة الداخلية والدبلوماسية: صدام على قرار الحرب

المحاضر ترسّخ صورة قيادية موحدة في اللحظة الأولى، لكنها تكشف أيضاً عن خلافات لاحقة بين صانعي القرار الذين طالب بعضهم بالتفكير في إنهاء العمليات. خروج مثل هذه المحاضر إلى العلن يضع حكومة تل أبيب أمام سؤال سياسي: هل الخطر الوجودي الذي طرحه القادة يستدعي الحرب الشاملة أم أن البديل الدبلوماسي، على رغم مخاطره، أقل كلفة؟

ضربات مُكلّفة ومخاطر غير محسوبة

ما تكشفه المحاضر ليس مجرد ملف عسكري بل استراتيجية سياسية ذات أبعاد جيوستراتيجية: رهانات على دعم خارجي، اختيارات قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي، وخيارات أخلاقية وإنسانية حول استهداف بنى تحتية مدنية أو استهداف قيادات. النتيجة العملية حتى الآن: انطلاق عملية واسعة قد تغيّر قواعد اللعبة، لكن ثمنها ما زال مجهولاً، وما بين منادٍ بـ«استكمال الأهداف» وصوت يحث على «العودة إلى الدبلوماسية» يُختبر مستقبل المنطقة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7