تشهد العلاقات اللبنانية-السورية تحولاً نوعياً بعد سنوات من التباين السياسي والأمني، حيث بدأ الطرفان التركيز على معالجة الملفات الثنائية الحساسة ضمن إطار قانوني وتنظيمي يضمن الاستقرار على الحدود ويحسن الوضع الإنساني والاجتماعي. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن هذه المرحلة قد تفتح نافذة للتفاهم المباشر والتنسيق المستدام بين بيروت ودمشق.
أكد نائب رئيس الوزراء اللبناني طارق متري خلال حديثه لـ"تلفزيون سوريا" أن معالجة ملف المعتقلين تتطلب صياغة قانونية مشتركة بين لبنان وسوريا، مشيراً إلى أن المباحثات لم تصل بعد إلى مرحلة تحديد الأسماء أو القوائم. وأوضح أن الحكومة اللبنانية بحثت فكرة إنشاء اتفاقية تعاون قضائي لمعالجة هذا الملف بما يضمن حقوق المعتقلين ويعزز التفاهم بين الطرفين.
وأضاف متري أن هناك 34 اتفاقية قائمة بين لبنان وسوريا بحاجة إلى مراجعة وإعادة تقييم لتتماشى مع المرحلة الجديدة من التعاون، مع إحراز تقدم ملموس في ضبط الحدود ومكافحة شبكات التهريب. وأكد استمرار الجهود لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ضمن تفاهمات مشتركة، لافتاً إلى أن خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع الأخير ساهم في فتح نافذة للتلاقي مع لبنان، وهو مؤشر على رغبة دمشق في تعزيز التعاون السياسي والأمني.
تأتي هذه التحركات ضمن خلفية تاريخية معقدة، حيث مرت العلاقات اللبنانية-السورية بفترات طويلة من التوتر والتباين حول المصالح المشتركة، سواء في المجال الأمني أو السياسي أو الاقتصادي. ويبرز ملف المعتقلين كأحد أبرز القضايا العالقة التي شكلت عائقاً أمام أي تعاون فعال سابقاً. مع دخول العلاقات مرحلة جديدة، يكتسب التنسيق القانوني أهمية كبيرة لتأسيس آلية واضحة لمعالجة هذه الملفات، بما يقلل من احتمالات النزاعات ويعزز حقوق جميع الأطراف.
كما أن مراجعة الاتفاقيات القديمة تهدف إلى ضبط آليات التعاون في الأمن، الاقتصاد، والجانب الإنساني، خصوصاً فيما يتعلق باللاجئين والحدود المشتركة، وتوضح هذه الجهود وجود إرادة سياسية مشتركة لإنهاء الغموض القانوني، ووضع إطار عمل مستدام يعكس التزام الطرفين بالاستقرار والتعاون المتبادل.
المرحلة الجديدة للعلاقات اللبنانية-السورية قد تشكل نقطة تحول مهمة، ليس فقط في معالجة القضايا العالقة، بل أيضاً في إعادة ترتيب الأولويات الثنائية، وتحقيق استقرار طويل الأمد على الحدود، دعم الأمن الوطني، وتأسيس تعاون شامل في المجالات الإنسانية والاقتصادية والسياسية.