هل تستفز إسرائيل العالم؟ ضربة الدوحة تثير تساؤلات دولية

2025.09.12 - 02:36
Facebook Share
طباعة

في تصعيد غير مسبوق، نقلت إسرائيل الحرب من غزة إلى قلب العاصمة القطرية الدوحة، حيث شنّت قبل يومين غارة جوية استهدفت اجتماعًا لقيادة حركة حماس كان يناقش مقترحًا لوقف إطلاق النار. الضربة التي أسفرت عن استشهاد ستة أشخاص بينهم نجل القيادي خالد الحيّة، لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة سياسية مدوّية: الاحتلال لا يعترف بحدود، ولا يحترم وساطة، ولا يُعطي أي قيمة للجهود الدولية الرامية لإنقاذ غزة من محرقتها. وفي موازاة العدوان العسكري، صعّدت إسرائيل حملتها السياسية والإعلامية ضد قطر، متهمة إياها بأنها "الراعي للمقاومة"، في محاولة واضحة لتقويض الدور القطري الذي يشكّل شريانًا إنسانيًا وسياسيًا لأهل القطاع.

ضربة في قلب الوساطة

الضربة الإسرائيلية استهدفت لحظة حساسة، إذ كان قادة حماس يبحثون مقترحًا أمريكيًا لوقف إطلاق النار، ما يكشف بوضوح نية إسرائيل إفشال أي مسار تفاوضي قد يُنهي الحرب أو يُخفّف عن المدنيين.

ورغم حجم الاستهداف، أعلنت مصادر في المقاومة أن القيادة العليا لحماس نجت من محاولة الاغتيال، معتبرة أن فشل إسرائيل في تحقيق هدفها يعكس عجزها عن حسم المعركة ميدانيًا أو سياسيًا.

الحكومة القطرية بدورها أدانت العملية بشدة ووصفتها بأنها "انتهاك صارخ لسيادة دولة مستقلة"، مؤكدة أن دورها كوسيط لن يتوقف تحت القصف.


قطر بين المطرقة والسندان

لم تكتفِ تل أبيب بالاستهداف العسكري، بل شنت أيضًا حملة سياسية وإعلامية عنيفة ضد قطر، في محاولة لضرب مصداقيتها. فمنذ سنوات، لعبت الدوحة دور الوسيط المحوري في ملف غزة، وأمّنت مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية تحت إشراف الأمم المتحدة، وغالبًا بموافقة إسرائيلية ضمنية. لكن مع تصاعد الحرب الأخيرة، تحوّلت هذه المساعدات إلى مادة للابتزاز السياسي، حيث باتت إسرائيل تتهم قطر بأنها "المموّل الحقيقي لحماس" وتسعى لعزلها إقليميًا.

المقاومة في قلب المواجهة

من منظور حماس: استهداف قادتها في الدوحة لم يضعف الحركة، بل عزز روايتها بأن الاحتلال يهرب من مأزقه عبر اغتيالات فاشلة خارج أرض المعركة.

من منظور قطر: الضربة جعلتها طرفًا مباشرًا في الصراع، لكنها في الوقت ذاته رسّخت صورتها كدولة تتحمّل الأثمان دفاعًا عن دورها في حماية غزة.

من منظور إسرائيل: العملية العسكرية في الدوحة كانت محاولة لخلط الأوراق، وإرسال رسالة بأن تل أبيب قادرة على ضرب خصومها أينما كانوا، حتى لو كان ذلك في أراضي وسيطة يفترض أنها محمية بالحصانة الدبلوماسية.


تداعيات إقليمية ودولية

عربيًا: الاستهداف أثار صدمة وغضبًا في الشارع العربي، حيث رأى كثيرون أنه اعتداء مزدوج: على المقاومة وعلى سيادة دولة عربية.

دوليًا: أثارت العملية تساؤلات عن حدود التمادي الإسرائيلي، وهل يمكن أن تبقى واشنطن والعواصم الأوروبية متفرجة على انتهاك سيادة حليف مثل قطر بينما ترفع شعار حماية "النظام الدولي".

إقليميًا: تركيا وإيران أبدتا قلقًا من أن الضربة قد تفتح الباب أمام فوضى أوسع، بينما تراقب القاهرة عن كثب خشية أن تتأثر وساطتها هي الأخرى.

 


قطر لعبت منذ سنوات دور "المنفَس" الوحيد لغزة، حيث أدخلت الوقود والرواتب والمساعدات الإنسانية في ظل حصار خانق. إسرائيل كانت تستفيد ضمنيًا من هذا الدور، لأنه يمنع انفجارًا إنسانيًا واسعًا يهدد أمنها. لكن مع صعود اليمين الإسرائيلي وتشدّد حكومة نتنياهو، تغيّر الخطاب: ما كان مقبولًا أمس بات اليوم "جريمة"، وما كان يُعتبر وساطة بات الآن "تواطؤًا مع حماس".

 

العدوان الإسرائيلي الأخير لم يكن فقط اغتيالًا فاشلًا لقادة حماس في الدوحة، بل اغتيالًا متعمدًا لفكرة الوساطة ذاتها. إسرائيل تضرب المقاومة وتضرب قطر في الوقت نفسه، لتبعث رسالة للعالم: لا سلام، ولا وسيط، ولا هدنة. غير أن النتائج قد تأتي عكسية، إذ إن صمود حماس ونجاة قيادتها، إلى جانب تمسّك قطر بدورها، قد يحوّلان الضربة إلى عبء إضافي على الاحتلال، ويكشفان أنه يقف وحيدًا في مواجهة المقاومة والدبلوماسية معًا.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 2