اتفاق غروسي وعراقجي.. بداية انفراجة أم استراحة قبل العاصفة؟

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.09.12 - 02:13
Facebook Share
طباعة

عاد الملف النووي الإيراني مجدداً إلى صدارة المشهد الدولي بعد إعلان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن اتفاق في القاهرة يسمح بعودة المفتشين الدوليين إلى بعض المنشآت النووية الإيرانية. الإعلان شكّل في ظاهره انفراجة، لكنه سرعان ما قوبل بتشكيك أميركي وأوروبي واسع، لتبقى الأزمة بين التهدئة والتصعيد معلّقة على قدرة طهران في تحويل وعودها إلى خطوات عملية.

 


يُنظر إلى الاتفاق الذي جرى توقيعه في القاهرة بين مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي باعتباره خطوة رمزية أكثر من كونه اتفاقاً شاملاً. الاتفاق ينص على عودة المفتشين الدوليين إلى عدد من المنشآت النووية الإيرانية التي ظلت مغلقة أمام الرقابة لعدة أشهر، لكنه لا يوضح بدقة مدى شمولية التفتيش ولا حدود صلاحيات فرق المراقبة. هذا الغموض أثار منذ اللحظة الأولى جدلاً حول جدية إيران واستعدادها لتقديم تنازلات حقيقية.

من جانبها، أبدت الولايات المتحدة موقفاً متحفظاً للغاية. فقد اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أن "الكلام وحده لا يكفي"، وأن إيران مطالبة بترجمة وعودها إلى خطوات ملموسة، مثل تقليص مخزوناتها من اليورانيوم المخصّب والسماح بتفتيش كامل وغير مشروط للمنشآت. المسؤولون الأميركيون وصفوا ما جرى بأنه أقرب إلى "عرض مسرحي" يهدف إلى كسب الوقت وتخفيف الضغوط، أكثر من كونه تحركاً حقيقياً نحو الحل.

أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد حرصت على تقديم الاتفاق كإنجاز أولي يفتح نافذة للتعاون بعد شهور من الانسداد. غروسي نفسه شدد على أن الهدف الأساسي من الاتفاق هو إعادة بناء الثقة بين طهران والمجتمع الدولي، وتوفير مناخ يسمح بالعودة إلى طاولة التفاوض. لكنه في الوقت نفسه أقر بأن الاتفاق الحالي لا يحلّ جميع القضايا العالقة، بل يقتصر على كونه إطاراً مؤقتاً لوقف التدهور.

أما الأوروبيون – وتحديداً بريطانيا وفرنسا وألمانيا – فقد أبدوا ترحيباً مشوباً بالحذر. الأوروبيون طالبوا طهران بالكشف الكامل عن أنشطتها النووية السابقة، وخصوصاً تلك التي تشير تقارير الوكالة إلى أنها كانت ذات طابع عسكري، كما شددوا على ضرورة أن تتخلى إيران عن مخزونها الكبير من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، باعتباره الخطر الأكبر الذي يقربها خطوة كبيرة من إنتاج سلاح نووي.

في المجمل، بدا الاتفاق كأنه خطوة شكلية صغيرة في أزمة معقدة ومتشابكة، إذ لم يحقق إجماعاً دولياً، ولم يقنع العواصم الغربية بجدية نوايا طهران.

 

الأبعاد النووية.. مخزونات مقلقة

تُعتبر المخزونات النووية الإيرانية محور القلق الأكبر لدى الولايات المتحدة وحلفائها، إذ تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن طهران تمتلك اليوم أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. هذا المستوى من التخصيب يضع إيران على بعد خطوات قليلة فقط من القدرة التقنية لإنتاج وقود نووي يصلح لصناعة سلاح نووي، وهو ما يمثل تحولاً استراتيجياً خطيراً في ميزان القوى الإقليمي.

الولايات المتحدة ترى أن هذه الكمية ليست مجرد رقم تقني، بل خط أحمر يهدد الأمن العالمي. فوجود مثل هذا المخزون، حتى إن لم يتم استخدامه فوراً، يعني أن إيران تستطيع في أي لحظة – إذا ما اتخذت القرار السياسي – رفع التخصيب إلى مستويات عسكرية تصل إلى 90%، وهو ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية في فترة زمنية وجيزة.

المخاوف الغربية لا تتعلق بالكميات وحدها، بل أيضاً بوجود مؤشرات على نشاطات سرية سبق أن أخفتها طهران عن أعين المفتشين، تشمل مواقع لم يتم الإعلان عنها، وأبحاث مرتبطة بالتخصيب لأغراض عسكرية. هذه الأنشطة تعزز القناعة في واشنطن والعواصم الأوروبية بأن إيران تسعى إلى كسب الوقت عبر المفاوضات، فيما تواصل المضي قدماً في تطوير قدراتها النووية خلف الكواليس.

وترى الإدارة الأميركية أن أي تأخير في تجميد أو تقليص هذه المخزونات يمنح طهران ما تسميه واشنطن "نافذة زمنية خطرة"، تسمح لها بإحراز تقدم قد لا يكون من الممكن التراجع عنه. هذا ما يفسر تشددها في المطالبة بخطوات عملية، مثل تصدير أو تدمير كميات اليورانيوم المخصب، وليس مجرد الاكتفاء بوعود لفظية أو اتفاقات غير ملزمة.

 


ضغوط أوروبية

يدرك الأوروبيون أن الوقت ليس في صالحهم، وأن استمرار إيران في المماطلة قد يضعهم أمام أمر واقع نووي يصعب التعامل معه لاحقاً. لذلك جاء الموقف الأوروبي أكثر وضوحاً في الأسابيع الأخيرة: إذا لم تُبدِ طهران استجابة ملموسة للمطالب الدولية، فإن حزمة عقوبات اقتصادية قاسية ستعود إلى الطاولة خلال فترة وجيزة.

هذه العقوبات ليست جديدة في مضمونها، لكنها قد تأتي أكثر شدة من ذي قبل. فالاتحاد الأوروبي يلوّح بإعادة فرض قيود صارمة على صادرات النفط والغاز الإيراني، وهو الشريان الأساسي للاقتصاد الإيراني ومصدر العملة الصعبة الأول. مثل هذه الخطوة من شأنها أن تضرب مباشرة قدرة طهران على تمويل موازنتها ومشاريعها في الداخل والخارج.

كما تتضمن العقوبات الأوروبية المقترحة تجميد أرصدة مالية وحسابات مصرفية لمسؤولين وشركات مرتبطة بالحرس الثوري وبالبرنامج النووي، بما يقطع شرايين التمويل عن مؤسسات تُتهم بالضلوع في تطوير القدرات النووية والعسكرية.

جانب آخر لا يقل خطورة يتمثل في تشديد القيود على نقل التكنولوجيا، لا سيما المعدات والبرمجيات ذات الصلة بالصناعات النووية والصاروخية. هذا النوع من القيود سبق أن شكّل عائقاً رئيسياً أمام تقدم إيران في العقد الماضي، وأدى إلى تباطؤ كبير في تطوير بعض مشاريعها الحساسة.

وتشير مصادر دبلوماسية غربية إلى أن هذه الخطوات تُجرى بتنسيق كامل مع إدارة ترامب، في ما يُشبه إحياءً لسياسة "العصا الاقتصادية" التي مورست ضد طهران خلال العقد الماضي، حين أُجبرت على الجلوس إلى طاولة المفاوضات في 2015. الجديد هذه المرة هو أن الأوروبيين يظهرون قدراً أكبر من التماهي مع الخط الأميركي، بعدما تراجعت رهاناتهم السابقة على إمكانية دفع إيران نحو الاعتدال من خلال سياسة الانفتاح والحوافز الاقتصادية.

في المحصلة، تبدو العقوبات أداة الغرب الرئيسية للضغط على طهران، لكن السؤال يبقى: هل ستدفع هذه السياسة إيران نحو التراجع والقبول بشروط المجتمع الدولي، أم أنها ستدفعها أكثر نحو التصعيد والمواجهة؟

 


رسائل نارية

منذ يونيو الماضي، شهدت الساحة الإيرانية تصعيداً عسكرياً نوعياً تمثل في غارات إسرائيلية وأميركية مكثفة استهدفت مواقع حيوية في كل من فوردو وناطنز وأصفهان. هذه الضربات، التي نُفذت عبر طائرات مقاتلة وقاذفات استراتيجية، أحدثت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية للمنشآت النووية والعسكرية، وأثارت موجة قلق داخل طهران من احتمال أن يتحول التصعيد المحدود إلى مواجهة شاملة.

ورغم الخسائر الكبيرة التي ألحقتها هذه الضربات، فإن التقديرات الاستخباراتية الأميركية تؤكد أن إيران ما زالت قادرة على إعادة تشغيل برنامجها النووي خلال عام واحد فقط إذا قررت ذلك، مستفيدة من خبرتها الفنية المتراكمة ومن قدرتها على إعادة بناء بعض المنشآت تحت الأرض بعيداً عن أعين الأقمار الاصطناعية.

هذا الواقع يطرح أمام صانعي القرار معضلة مزدوجة:

1. استمرار الضغوط العسكرية قد يدفع طهران نحو مزيد من التشدد، إذ تميل القيادة الإيرانية إلى النظر للضربات على أنها دليل على عجز الغرب عن فرض حل سياسي شامل، ما يعزز سردية "الصمود والمقاومة" داخلياً، ويدفعها إلى تسريع العمل سراً لتعويض الخسائر.


2. لكن تجاهل هذه الضربات قد يُفسَّر من جانب طهران على أنه عجز استراتيجي لدى الغرب، ويمنحها شعوراً بالثقة في قدرتها على تجاوز أي تهديد خارجي. هذا الإحساس قد يغريها بالمضي قدماً في التخصيب بوتيرة أسرع، مستندة إلى تقدير مفاده أن خصومها لن يغامروا بحرب واسعة النطاق في المنطقة.

 

ويلاحظ محللون أن الضربات الأخيرة لم تكن فقط رسالة عسكرية بل أيضاً إشارة سياسية، تهدف إلى القول إن واشنطن وتل أبيب لن تقبلا بترك إيران تقترب أكثر من العتبة النووية. إلا أن السؤال الجوهري يبقى: هل هذه الضربات وسيلة ردع فعّالة تدفع طهران للتراجع، أم أنها مجرد حلول مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة، وقد تفتح الباب لتصعيد أوسع لا تُحمد عقباه؟

 


سياسة الضغط القصوى الأميركية

تواصل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما تصفه بـ حملة "الضغط القصوى" ضد إيران، وهي استراتيجية تقوم على حزمة متكاملة من الأدوات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتستند إلى قناعة راسخة بأن التضييق المستمر هو السبيل الوحيد لإجبار طهران على تغيير سلوكها النووي والإقليمي.

أبرز مكونات هذه السياسة تتمثل في:

1. تكثيف العقوبات الاقتصادية: إذ فرضت واشنطن عقوبات غير مسبوقة استهدفت قطاع النفط، والمصارف، وشبكات الحرس الثوري، ما أدى إلى خنق الاقتصاد الإيراني وخفض صادرات النفط إلى مستويات متدنية تاريخياً. هذه العقوبات لم تقتصر على الداخل الإيراني، بل امتدت إلى أطراف ثالثة عبر تهديدات بمعاقبة أي شركات أو دول تتعامل مع طهران.


2. توسيع التعاون مع الأوروبيين: رغم التباينات بين واشنطن وعواصم أوروبية بشأن الاتفاق النووي، تحاول الإدارة الأميركية دفع الأوروبيين لتشديد الرقابة على البرنامج النووي الإيراني وتقييد قنوات الالتفاف على العقوبات. كما تركز على تنسيق المواقف في ملفات الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية، باعتبارها ثغرات لم يغطيها الاتفاق النووي لعام 2015.


3. الحفاظ على خيار الضربات العسكرية المحدودة مفتوحاً: عبر تعزيز وجودها العسكري في الخليج، وإجراء مناورات مشتركة مع حلفائها، تبعث واشنطن برسالة مزدوجة مفادها أن القوة العسكرية ليست الخيار الأول لكنها تبقى مطروحة على الطاولة في حال تجاوزت إيران الخطوط الحمراء.

 

من وجهة نظر واشنطن، هذه الاستراتيجية ينبغي أن تحقق هدفين متوازيين:

منع إيران من امتلاك سلاح نووي عبر خنق قدرتها على تمويل وتطوير البرنامج النووي.

كبح نفوذها الإقليمي من خلال إضعاف الحرس الثوري وتقليص دعم طهران لحلفائها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.


لكن هذه السياسة لا تخلو من إشكاليات بنيوية؛ فبينما تراهن واشنطن على أن الضغوط ستدفع طهران للتراجع، يرى محللون أن إيران قد تختار نهج "الصمود الاستراتيجي"، مستغلة حالة الانقسام الدولي وتنامي التوترات في الشرق الأوسط لرفع كلفة أي مواجهة مع الغرب.

 

أبعد من النووي: الصراع على النفوذ الإقليمي

لا يقتصر الموقف الأميركي على مراقبة أجهزة الطرد المركزي أو مستويات تخصيب اليورانيوم، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة إعادة صياغة الدور الإيراني في المنطقة. فإدارة ترامب ترى أن خطر طهران الحقيقي لا ينبع فقط من برنامجها النووي، بل من تمددها العسكري والسياسي عبر وكلائها الإقليميين.

من هذا المنطلق، تصف واشنطن إيران بأنها "أكبر راعٍ للإرهاب في العالم"، مستندة إلى سجل طويل من دعم جماعات مسلحة وحركات موالية لها في أكثر من ساحة:

في العراق: عبر تمويل وتسليح فصائل شيعية ضمن الحشد الشعبي، ما تعتبره واشنطن تهديداً لوحدة الدولة العراقية وتوازنها الداخلي.

في سوريا: من خلال دعم مباشر للنظام السوري بالمقاتلين والموارد، ما يرسّخ بقاء طهران كفاعل عسكري رئيسي في المعادلة السورية.

في لبنان: عبر حزب الله، الذي تصفه واشنطن بأنه "الذراع الأخطر لإيران" في المنطقة.

في اليمن: بدعم جماعة الحوثيين بالسلاح والتكنولوجيا، الأمر الذي يطيل أمد الحرب ويهدد أمن السعودية ودول الخليج.


وتضغط الولايات المتحدة لإجبار طهران على وقف هذا الدعم، معتبرة أن استمرار إيران في "حروب الوكالة" يعمّق حالة عدم الاستقرار الإقليمي.

كما تحاول الإدارة الأميركية أن تضع إيران أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانكفاء نحو الداخل والتركيز على مصالح شعبها، أو الاستمرار في مطامح السيطرة الإقليمية بما يعني مواجهة عزلة خانقة وضغوط متصاعدة.

هذا التوجه الأميركي يعكس رؤية أوسع مفادها أن التسوية مع إيران لا يمكن أن تكون تقنية بحتة حول النووي، بل يجب أن تشمل إعادة توازن النفوذ في الشرق الأوسط، وهو ما يجعل أي اتفاق مع طهران عرضة للتعثر إذا لم يتطرق إلى أدوارها الإقليمية المترسخة.

 

سيناريوهات المرحلة المقبلة

أمام هذه التطورات المتسارعة، تبدو المرحلة المقبلة مرشحة لأن تسلك أحد مسارين متناقضين، يعكسان طبيعة التوازن الدقيق بين التصعيد والاحتواء:

1. تسوية مرحلية:
قد تختار طهران السير في مسار براغماتي يتيح لها تخفيف الضغط الاقتصادي الهائل. هذا السيناريو يقوم على قبول إيران بخفض مستويات التخصيب أو تقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب، مقابل رفع جزئي للعقوبات أو تسهيلات اقتصادية محدودة، مثل الإفراج عن بعض الأرصدة المجمدة أو السماح بزيادة صادرات النفط.
ورغم أن هذا الخيار لن يفضي إلى حل شامل، إلا أنه قد يوفر لإيران نافذة تنفس اقتصادية تمنحها وقتاً لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية، وفي الوقت نفسه يسمح للغرب بتأجيل المواجهة الكبرى.


2. مواجهة جديدة:
في حال أصرت إيران على رفض تقديم تنازلات جوهرية، فإن ذلك قد يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين إلى فرض عقوبات أكثر قسوة تشمل القطاعات الحيوية كافة، وصولاً إلى تشديد العزلة الدبلوماسية.
الأخطر أن هذا المسار قد لا يتوقف عند حدود الاقتصاد، بل قد يتطور إلى موجة أوسع من الضربات العسكرية تستهدف المنشآت النووية والبنى التحتية الإيرانية، وهو ما من شأنه إدخال المنطقة في دوامة تصعيد غير مسبوقة، مع احتمالية أن ترد طهران عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما يفتح الباب أمام حرب إقليمية بالوكالة يصعب التحكم في مسارها.

 

وبين هذين الخيارين، يبقى الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو حل وسط مؤقت، يسمح لجميع الأطراف بادعاء تحقيق مكاسب، لكنه لا يلغي جذور الأزمة ولا يضمن استقراراً طويل الأمد، لتظل أزمة الملف النووي الإيراني رهينة التجاذبات الإقليمية والدولية.

 

مسار متعرج منذ عقدين

الملف النووي الإيراني ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج مسار طويل من الشد والجذب بين طهران والمجتمع الدولي. فمنذ مطلع الألفية الثالثة، انقسمت القوى الكبرى بين من يرى في البرنامج الإيراني خطراً وجودياً يجب تطويقه عبر العقوبات والتهديدات العسكرية، وبين من فضّل الحوار والاحتواء لتفادي اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.

عام 2015، شكّل الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) برعاية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما محطة تاريخية مهمة. فقد وافقت إيران بموجبه على تقليص أنشطتها النووية بشكل كبير، مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية. غير أن هذا التفاهم انهار عملياً بعد انسحاب إدارة دونالد ترامب منه عام 2018، وإعادة فرض سياسة "الضغط الأقصى" التي أدخلت الاقتصاد الإيراني في دوامة من الانكماش والتضخم.

لاحقاً، حاولت إدارة جو بايدن إعادة إحياء الاتفاق عبر مفاوضات غير مباشرة في فيينا، لكن التعقيدات السياسية الداخلية في واشنطن والانقسامات داخل إيران، فضلاً عن التصعيد الإقليمي، حالت دون التوصل إلى تسوية نهائية.


الأزمة بنسختها الجديدة

اليوم، يجد العالم نفسه أمام نسخة محدثة من الأزمة نفسها، لكن مع تعقيدات إضافية لم تكن مطروحة في 2015:

الغارات الجوية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية في فوردو وناطنز وأصفهان، وفتحت الباب أمام سيناريو التصعيد العسكري المباشر.

التدهور الاقتصادي الإيراني المتسارع تحت وطأة العقوبات والعزلة، ما يضع القيادة الإيرانية أمام ضغوط داخلية متزايدة.

تآكل الثقة المتبادل بين طهران والغرب، حيث ترى إيران أن الاتفاقات السابقة لم تُحترم، بينما يتهمها الغرب بالمراوغة وإخفاء أنشطة حساسة.

 


استراحة أم بداية انفراجة؟

المشهد الحالي يوحي بأن اتفاق غروسي–عراقجي ليس سوى خطوة صغيرة في طريق طويل مليء بالعقبات. الغرب يشكك، وطهران تناور، وواشنطن تصعّد، فيما يترنح الاقتصاد الإيراني تحت الضغوط.

الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة: فإما أن يتحول الاتفاق إلى بداية لانفراجة حقيقية تعيد التفاوض إلى مساره وتفتح الباب لتفاهمات أوسع، وإما أن يثبت أنه مجرد استراحة قصيرة قبل عاصفة جديدة من العقوبات والتصعيد العسكري، قد تعيد المنطقة إلى مربع المواجهة المفتوحة.
 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1