في تصعيد جديد للتوترات المتكررة بين القاهرة وتل أبيب، شنّت وسائل إعلام إسرائيلية حملة هجوم على مصر، متهمة إياها باحتكار العلاقة الرسمية مع إسرائيل ومنع أي شكل من أشكال "التطبيع الشعبي"، في الوقت الذي فجّر فيه مشروع مصر لتطوير منطقة جبل موسى في سيناء ــ المعروف بـ"التجلي الأعظم" ــ غضبًا واسعًا في الأوساط الدينية والسياسية الإسرائيلية. هذا التوازي بين ملفين حساسَين يكشف طبيعة العلاقة المتوترة التي تجمع بين البلدين رغم مرور أكثر من أربعة عقود على توقيع اتفاقية السلام.
اتهامات إسرائيلية: "القاهرة تحتكر العلاقة"
قناة i24 News الإسرائيلية نشرت تقريرًا استند إلى تصريحات البروفيسور مائير متسري من الجامعة العبرية بالقدس، اتهم فيه السلطات المصرية بفرض رقابة صارمة على أي تفاعل شعبي أو ثقافي مع إسرائيل، وضرب أمثلة بينها منع حفيدة الرئيس الراحل أنور السادات من السفر لتسلم جائزة إسرائيلية، إضافة إلى "ملاحقة" بعض المثقفين والفنانين الذين تعاملوا مع الجانب الإسرائيلي.
وبحسب متسري، فإن القاهرة تتعمّد إبقاء العلاقة في الإطار الرسمي فقط، مستفيدة من "عدو خارجي" لتوظيفه في الداخل كأداة لتعزيز شرعية النظام. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ حاول الخبير الإسرائيلي تصوير تصريحات مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، التي تحدثت عن "انتهاكات خطيرة لاتفاقية السلام"، بأنها تأتي من "منطلق المحبة لمصر" لا من باب التصعيد، على حد وصفه.
"التجلي الأعظم".. مشروع مصري يغضب تل أبيب
في موازاة هذا الجدل، فجّر مشروع مصر لتطوير منطقة جبل سيناء ــ الذي يهدف إلى تحويل المنطقة إلى مقصد سياحي عالمي ــ عاصفة من الغضب في أوساط دينية إسرائيلية.
موقع Bhol الإخباري الإسرائيلي أشار إلى أن الخطة المصرية، التي تشمل إنشاء فنادق ومركز زوار وتلفريك يصل إلى قمة جبل موسى، تهدد مكانًا يعتبره اليهود والمسيحيون والمسلمون من أقدس بقاع الأرض.
تحت عناوين لافتة مثل "موسى يتقلب في قبره بسيناء" و*"مصر تدمر المكان الذي كلم الله فيه موسى"*، صعّدت صحف مثل "معاريف" لهجتها، متهمة القاهرة بتنفيذ "عملية تهويد معكوسة"، أي تحويل قدسية المكان إلى سلعة سياحية فاقدة للبعد الديني.
الملفت أن المعارضة الرسمية للمشروع لم تأتِ من إسرائيل، بل من اليونان، التي تحتفظ بإدارة دير سانت كاترين منذ قرون عبر الكنيسة الأرثوذكسية. وأكدت القاهرة أن المشروع لا يمسّ الدير ولا وضعه القانوني، مشيرة إلى أن الهدف هو جعل المنطقة "هدية مصر للعالم أجمع ولجميع الأديان"، بحسب تصريحات وزير الإسكان شريف الشربيني.
لكن، وعلى الرغم من التطمينات، يرى مراقبون أن الحملة الإعلامية الإسرائيلية تكشف توترًا أعمق، إذ تنظر تل أبيب بقلق لأي مشروع يعزز من حضور مصر الإقليمي أو يرسّخ دورها كقوة ثقافية ودينية في الشرق الأوسط.
منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1979، لم تغب الخلافات بين مصر وإسرائيل رغم العلاقات الأمنية والدبلوماسية المستمرة. القاهرة حافظت على سياسة "السلام البارد"، إذ أبقت التطبيع محصورًا في القنوات الرسمية، رافضة الانفتاح الشعبي والثقافي الواسع. واليوم، يُظهر الجدل حول مشروع "التجلي الأعظم" أن العلاقة لا تزال رهينة حساسيات عميقة، تجمع بين الدين والسياسة والأمن، وتجعل أي مشروع تنموي أو ديني في سيناء مادة قابلة للاشتعال في الإعلام العبري.
في النهاية، قد لا يكون الخلاف الحالي سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات، لكنّه يعكس حقيقة ثابتة: السلام المصري الإسرائيلي قائم، لكنه هشّ، ويكاد يتصدّع عند أول اختبار يمسّ الهوية الوطنية أو الرمزية الدينية.